مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة
 

 

 

سالم بن ذكوان الهلالي

 

 بقلم د. محمد ناصر

(حي: 99هـ/717م-101هـ/719م)

 

من أهل (توام) من عمان، (البوريمي حاليا)، عالم، مقرئ، عاصر الإمام جابر بن زيد، و كان يكاتبه، فهو لذلك يعد من التابعين، و قد أدرك بعض الصحابة حسب بعض الروايات.

يعد من أوائل المنظرين للفكر الإباضي كما تدل على ذلك سيرته المشهورة (22 ورقة)، و كانت له صلات وثيقة بعلماء الإباضية الأوائل من أمثال أبي عبيدة مسلم، و جعفر بن السماك العبدي، و علي بن الحصين، و أبي حاجب بن مودود الطائي، و غيرهم.

و رغم مكانة هذا العالم فإن المصادر العمانية بل الإباضية لم تعن بأخباره، و تفاصيل حياته، و لم تتناول شيئا من حياته، و لولا سيرته التي تركها لبات التعرف عليه أمرا صعب المنال.

و تدل صلاته بجابر و أبي عبيدة أنه كان من علماء الحركة الإباضية إبان نشأتها في البصرة، ناهيك أنه كان ضمن الأعضاء الستة الذين اختارهم أبو عبيدة وفدا إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز.

يذكره الشماخي في سيره، فيقول عنه  "و منهم سالم بن ذكوان رحمه الله، و حقه أنه يذكر في طبقة أبي عبيدة، و هو من مشاهير العلماء الأبرار، و كان ممن يكاتبه جابر بن زيد (رحمه الله) (الشماخي، سير، ص109

و يورده ابن الجزري ضمن القراء المشهود لهم بالعلم، و قد روىَ عن عبد الله بن عامر الشامي (معجم أعلام الإباضية، ج2/167) و الواقع إن سيرته إلى (المسلمين) تدل على حفظ جيد للقرآن الكريم، و طواعية في الاستشهاد بآياته، و الاستدلال به. و قد غلب الاقتباس و التضمين للقرآن على محتويات السيرة بشكل واضح، كما تدل على معرفة تامة بالشريعة الإسلامية و أحكامها.

سيرته:

تعد هذه السيرة من بواكير التدوين عند الإباضية، فباستثناء مؤلفات جابر بن زيد و مراسلات عبد الله بن اباض نجد هذه السيرة تأخذ مكانها كأول وثيقة توضح مبادئ الإباضية، و منهجهم، و موقفهم. وردت هذه السيرة المشتملة على 22 ورقة ضمن سير علماء الإباضية، و هي محفوظة ضمن مجموعة سير علماء الإباضية بمكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي بسلطنة عمان، لمؤلف مجهول. و توجد من هذه المجموعة من السير نسخ أخرى و لكن تحت عناوين مختلفة، و قد سبق نشرها كاملة في بعض المؤلفات المعاصرة (منهج الدعوة عند الإباضية، محمد ناصر، الملحق)كما اعتنى بدراسة محتوياتها الدكتور عمرو النامي في أطروحته (دراسات عن الإباضية)

و لأهمية هذه السيرة و علاقتها بالمترجم له فإننا نلخص محتوياتها في العناصر التالية:

نقدر أن أصل هذه السيرة رسالة خطية، توجه بها سالم بن ذكوان إلى عامة (المسلمين) (الإباضية) كما تدل على ذلك بداية الفقرات "أيها الناس" "عباد الله" التي تكررت مرارا و الهدف منها الحض على الجهاد، و الثبات على سيرة الرسول e و الصحابة و السلف. يوضح فيها بالأدلة القاطعة من القرآن و السنة موقف الإسلام الصحيح من الطوائف و الملل و الفرق، مسلمين و غير مسلمين، فبدأ بالمجوس، و المشركين، و المنافقين، و أهل الكتاب، ثم موقف المسلم من الموحدين، فأوضح خطأ الأزارقة و النجدات و المرجئة، و غيرهم ممن يحكمون في المسلمين بأحكام ليست من القرآن، و اتبع في ذلك منهجية تاريخية واضحة من بعثة الرسول e إلى وفاته، ثم سيرة الخلفاء الراشدين من بعده، متوقفا عند الفتنة التي حدثت في عهد عثمان بن عفان مفصلا أسبابها، ثم ما نجم عنها من اختيار المسلمين عليا، و خروج معاوية و أنصاره ضده، و كيف تتابعت الأحداث إلى قضية التحكيم في صفين، و ظهور المحكمة، و ما نتج عن كل ذلك من فتن و حروب إلى ظهور القعدة المعتدلين الذين هم سلف الإباضية، و توقف وقفة تفصيلية موضحا الفروق العقدية و الفكرية بين الأزارقة و النجدات و من تبعهم و بين القعدة، حيث يقول "و يجمع ابن الأزرق و أصحابه، و نجدة و أصحابه، و داود و أصحابه، و عطية و أصحابه، و أبو فديك و أصحابه، و ما يعرفون من الضلالة مخالفتهم إلى ما ينهون عنه، و عملهم بما يكفرون عليه، و يضلهم مع ذلك تحريفهم في قولهم كلام الله عز و جل عن مواضعه، و شنآن قولهم" (منهج الدعوة، ص371)

و من ثم، فمن المؤكد أن هذه السيرة كتبت بعد أن تبلورت الفرق المذكورة آنفا، أي بعد 64هـ. و بما أن السيرة طويلة (22 ورقة من الحجم الكبير) فإننا نلخص أهم ما يستنتج منها فيما يلي:

1.تكمن أهمية هذه السيرة في كونها بينت بيانا تفصيليا مسار الدين الإسلامي من نزول الوحي إلى وقت ظهور الفرق و المذاهب، مقارنا بين ما كان عليه الرسول و خلفاؤه الراشدون ثم من جاء بعدهم من الملوك و الولاة الظالمين و الفرق المتطرفة المنحرفة.

2.تعد هذه السيرة في نظرنا أول وثيقة تاريخية مهمة لمن أراد دراسة الفكر الإباضي في أصوله من كل الجوانب تاريخا و عقيدة و فقها، و لا يمكن للباحث الموضوعي الاستغناء عنها لسبقها و موضوعيتها و طريقة عرضها و شموليتها، ثم لأن كاتبها علم من أعلام الاباضية و مشايخهم.

3.تدل هذه السيرة دلالة قاطعة لا تترك مجالا للشك على موقف الشراة القعدة )أسلاف الإباضية) و تمايزهم عن الفرق الخارجية المتطرفة و حكمهم عليها مثل الأزارقة، و النجدات، و داود، و عطية، و أبو فديك.

4.يظهر جليا دعوة الكاتب إلى الرجوع إلى القرآن و السنة، و لم يكن يقصد إلى أن يدعو إلى مذهب معين أو طائفة بعينها، فهو لم ينسب نفسه إلى أي مذهب لأنه يعتبر أن كل ما يؤدي إلى الحق الذي يدعو إليه كتاب الله و سنة رسوله هو مذهبه "فأمرنا تبع لأئمة المسلمين قبل نزول الفتنة بالمسلمين يوم قتلوا عثمان، و يوم الجمل، و يوم أنكروا تحكيم الرجال في دينهم، و رأينا رأيهم تبع يومئذ، و تأويلنا القرآن اليوم لتأويلهم يومئذ تبع"

5.السيرة تحدد موقف القعدة السياسي العلني من الحكام الأمويين حيث يقول " نرضى من ملوك قومنا أن يتقوا الله، و لا يتبعوا أهواءهم إذا خالفها الحق، و لا يجحدوا سنته، و لا يصروا على ذنب بعد معرفة، و يضعوا الصدقة و الفيء حيث أمرهم الله"

أهم المصادر

·           محمد صالح ناصر، منهج الدعوة عند الإباضية، مكتبة الإستقامة، سلطنة عمان، 1418هـ/1997م، ص 340-385

·           عمرو خليفة النامي، دراسات عن الإباضية، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2001م، ص 51-70، 124، 219، 286

·           عيسى العزري، السير العمانية، (مخطوط) معهد القضاء الشرعي، مسقط، 1418هـ/1997م، ص 17-31

·           أحمد بن سعيد الشماخي، كتاب السير، ت: أحمد بن سعود السيابي، وزارة التراث القومي، سلطنة عمان، 1407هـ/1987م، ص109

·           جمعية التراث، معجم أعلام الإباضية، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 2000م، ج2/167

 
 

 

 

الصفحة الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تقتضي ذكر المصدر عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع