بقلم
الشيخ: مهنا بن راشد بن حمد السعدي
هو الشيخ العلامة المؤرخ سالم بن محمد بن يعقوب من جزيرة جربة
بتونس ، و( بن يعقوب ) قبيلته ، وهي قبيلة معروفه بجربة ، ولد
بحومة غيزن بجربة في سنة 1321هـ / 1903م ، بدأ حياته بممارسة
التجارة في مدينة بنزرت ، وبقي أميا إلى سن التاسعة عشرة ، وكان
يرغب في طلب العلم ويشتاق لذلك ، فتدارك أمر نفسه بسرعة فالتحق
بدروس الشيخ عمر بن مرزوق - من كبار المصلحين بجربة آنذاك - بجامع
" البَاسِّي " بحومة والَغْ بجربة في سنة 1923م ، وأخذ مبادئ
العلوم على يديه ، ثم رحل إلى تونس ميمما شرط جامع الزيتونة العريق
، وأقام في مدرسة الإباضية بالهنتاتي بسوق اللفة ، فكان يتنقل بين
حلق العلم بجامع الزيتونة منتقيا ما يطيب له منها ، وذلك أنه لم
يكن مسجلا في دفاتر الجامع ، وكان الشيخ محمد الزغوني والشيخ
الماجري من أبرز أساتذته بجامع الزيتونه ، وقد كان كذلك يتلقى
دروسا خاصة على شيخ الإباضية بتونس العلامة محمد بن صالح الثميني ،
الذي كان مشرفا على الإباضية الجزائرية بتونس ، ويمتلك مكتبة
الاستقامة القريبة من جامع الزيتونة ، وقد كانت دروس الشيخ الثميني
ليلية محورها كتاب " جامع أركان الإسلام " للخروصي العماني ، وكتاب
" شرح النيل " لقطب الأئمة محمد اطفيش .
ظل في تونس لمدة خمس سنوات ( 1929- 1934م ) ، ثم انتقل إلى
جامع عريق آخر بالمشرق العربي وهو جامع الأزهر بمصر ، ناهجا فيه
نفس نهجه في جامع الزيتونة ، وبقي في أحضانه لمدة خمس سنوات (
1934- 1939م ) ، وقد أشار إلى أمر دراسته بالزيتونة والأزهر بنفسه
في مقدمة كتابه " تاريخ جزيرة جربة " حيث قال : " وإني في هذا
البحث – يقصد كتابه تاريخ جزيرة جربة – أدرس بعض جوانب هذا التاريخ
بجزيرة جربة ، هذا التاريخ الذي جمعته من أوراق متفرقة ورسائل
مبعثرة في خزائن الكتب القديمة بجربة وتونس والقاهرة أثناء بحثي
الموسع عن التراث الإباضي أيام دراستي بجامع الزيتونة ( 1929-
1934م ) وبالجامع الأزهر ( 1934- 1939م ) " إهـ .
وقد ذهب أصحاب معجم أعلام الإباضية إلى أنه ظل في الزيتونة
لمدة ثلاث سنوات ( 1929- 1933م ) ، وظل في الأزهر لمدة خمس سنوات (
1933- 1938م ) ، وذهب الشيخ د. فرحات الجعبيري إلى أنه ظل في تونس
لمدة خمس سنوات ( 1346- 1351هـ / 1927- 1933م ) وفي مصر أيضا لمدة
خمس سنوات ( 1351- 1357هـ / 1934- 1938 ) ، والحقيقة أن هذه
التواريخ التي ذكرها كل من أصحاب المعجم والشيخ الجعبيري غير دقيقة
وفيها تناقض ، والذي يظهر أن الأصح ما ذكره الشيخ سالم بن يعقوب
بنفسه عن مدة مكوثه في الزيتونة والأزهر ، والمرء أدرى من غيره
بتاريخه .
وقد كان في فترة دراسته بالأزهر ينهل من معين علماء الأزهر ،
وكذلك كان يتردد على الشيخ العلامة أبي إسحاق إبراهيم اطفيش طلبا
للعلم ، حيث أن الثاني كان موجودا بمصر .
وقد كان الشيخ سالم يسكن وكالة الجاموس بطولون من مصر ، ويقضي
معظم وقته في الاستنساخ ، فنسخ من مخطوطات مكتبة الإباضية بوكالة
الجاموس نصيبا وافرا ، كما نسخ عدة نصوص من المكتبة الوطنية
بالقاهرة ، فجمع بعد ذلك مكتبة ثرية بمقر سكناه بحومة غيزن بجربة
قل لها مثيل ، وقد أشار إلى اشتغاله بالنسخ وجمع التراث بنفسه في
النص الذي ذكرناه عنه أعلاه .
وعندما عاد إلى وطنه جزيرة جربه اشتغل في الفلاحة ، وعكف على
التدريس والوعظ والإرشاد بعدَّة مساجد منها : جامع الشيخ بحومة
السوق ، وجامع الملاق بوالغ ، وجامع بني داود بصدغيان ، وجامع
تلاكين بغيزن ، وقد كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر حتى أنه هدد
عدة مرات بالقتل من أصحاب المنكر .
وكان كذلك محققا في التاريخ ، وبخاصة في سير الإباضية ،
فاتخذه الباحثون قبلة ينهلون من علمه ويستفيدون منه ، ومن أبرز
تلاميذه : الشيخ د. فرحات الجعبيري ، وقاسم قوجة ، والصادق بن
مرزوق ، ويوسف الباروني .
ويعد الشيخ سالم آخر عضو من أعضاء حلقة العزابة بجربة ، فهو "
بقية السلف الصالح " كما وصفه تلميذه الشيخ فرحات الجعبيري ، ويذكر
الشيخ الجعبيري أنه أخذ عن الشيخ سالم كل ما يتعلق بالإباضية ،
ووصفه بقوله : " ... وما رأيت من أهل العصر من هو أكثر منه إلماما
بخفايا تاريخ الإباضية " إهـ .
وللشيخ سالم العديد من الأعمال والمؤلفات منها : " تاريخ
جزيرة جربة " يقع في ثلاثة أجزاء ، وقد طبع الجزء الأول ، والثاني
تحت الطبع ، والثالث لا يزال مخطوطا ، ومن أعماله تحقيقه لكتاب "
بدء الإسلام وشرائع الدين " لابن سلام ، وقد اشترك معه في ذلك
المستشرق الألماني شفارتز ، وقد تم طباعته ، وطبع طباعة أخرى غير
شرعية تحت عنوان محرف وهو : " الإسلام وتاريخه من وجهة نظر إباضية
" ، ومن أعماله " دروس عن تاريخ جربة " ألقيت في سنة 1384هـ /
1964م ولا يزال مخطوطا ، ومن أعماله " تقييدات عن نشأة الإباضية "
، و" تقيدات عن تراجم بعض علماء الإباضية " ، و" تقييدات عن
المدارس العلمية بجربة " وهذه الأعمال الثلاثة لا تزال مخطوطة ،
وله أعمال
أخرى .
وقد ذكر أصحاب المعجم أنه توفي في سنة 1408هـ / 1988م ، وذكر
محمد قوجة - محقق كتاب " علماء جربة للشيخ سليمان بن أحمد الحيلاتي
" - أنه توفي في ليلة الأحد 27 من يناير 1991م ، والظاهر أن ما
ذكره الباحث محمد قوجه هو الأرجح حيث أنه من جزيرة جربه ، ومعروف
عنه الدقة في البحث ، وكذلك والده مقرب جدا من الشيخ سالم كما
حدثنا شيخنا أحمد مصلح ، وقد كان عمره عند وفاته 88 عاما تقريبا
والله أعلم .
المصادر :
1-
اتصال هاتفي مع الشيخ أحمد مهني مصلح مدرس بمعهد
العلوم الشرعية بسلطنة عمان ، الثلاثاء 4 من شعبان 1424هـ / 30 من
سبتمبر 2003م ، الأربعاء 5 من شعبان 1424هـ / 1 من أكتوبر 2003م .
2-
الشيخ سليمان بن أحمد الحيلاتي الجربي ، علماء جربة
، ت : محمد قوجة ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، لبنان ، ط1 :
1998م ، III
هامش رقم (1) .
3-
الشيخ سالم بن يعقوب ، تاريخ جزيرة جربة ، دار
الجويني للنشر ، القاهرة ، مصر ، 1986م ، ص12 .
4-
الشيخ د. فرحات الجعبيري ، البعد الحضاري للعقيدة
الإباضية ، مطبعة الألوان الحديثة ، سلطنة عمان ، 1408هـ / 1987م ،
ص85 هامش رقم (149) .
5-
إبراهيم بحاز وآخرون ، معجم أعلام الإباضية ،
2/167- 168 رقم الترجمة : 366 ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ،
لبنان ، ط2 : 1421هـ / 2000م .