في فقه الصلاة (1)
الاستاذ خالد الوهيبي
تعتبر الصلاة عمود
الدين ورأسه بعد أركان الإيمان قال الله تعالى في وصف المؤمنين:
(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ) وقال تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ
أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ
وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ
عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ
وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ
الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا
عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ
الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ
الْمُتَّقُونَ).
وهي من الميثاق
الذي طالب الله تعالى بها الأمم السابقة قال تعالى: (وَإِذْ
أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ
اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى
وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً
وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ).
وكان تضييعها من
أسباب الخسران المبين في الدنيا والآخرة قال تعالى: (فخلف من بعدهم
خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً) وقال: (ما
سلككم في سقر* قالوا لم نك من المصلين)
لذا كانت الصلاة
الركن الذين يأتي مجاوراً لمفهوم الجملة وما يتعلق بتفسيرها
الاعتقادي، لذا حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم الصلاة
للناس ولم يتركهم إلا وهي كاملة مستقرة (اليوم أكملت لكم دينكم
وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً).
هكذا صلى الله
النبي صلى الله عليه وسلم:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي خمس صلوات في اليوم والليلة،
ويرى كل أحد نبي الأمة صلى الله عليه وسلم يصلي فيتعلمون منهم
الصلاة (صلوا كما رأيتموني أصلي)، وهي عبادة تمارس كل يوم فرضاً
ونفلاً؛ لذا كان المستبعد جداً بل من الممتنع أن تكون هنالك أمور
أو صلوات معينة خص بها أناس دون آخرين.
فعلى هذا تكون
الصلاة وهيئتها مما نقل بالتواتر العملي، أي نقلها عبر العمل
المتواصل جيلاً بعد جيل، لأنها ليست من الأمور التي تخفى على أحد.
وقد مرت الصلاة
بمراحل متعددة حتى استقرت بالكيفية التي نعرفها؛ شأنها شأن كثير من
التشريعات التي أخذت حيزها الزمني حتى ترسخ في حياة الناس، جاء في
المدونة ج1 ص47-48 :(سألت الربيع فقلت: أوَ أرد السلام على الرجل
إذا سلّم عليّ وأنا في الصلاة؟.
قال: لا؛ وكذلك
قال أبو المؤرج، وروى لي عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سلّم عليه أحد وهو في الصلاة
رد عليه السلام، فسلم عليه رجل وهو يصلي فلم يرد عليه شيئاً، فظن
الرجل أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما منعه من رد السلام عليه
سخطه له، فجلس الرجل حتى انصرف النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
أعوذ بالله ونبيه من سخطهما، سلمت عليك يا نبي الله فلم ترد عليّ
شيئاً، فقال عليه الصلاة والسلام: "إن في الصلاة لشغلاً"، قال أبو
المؤرج: ومن أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام ناسخ ومنسوخ،
والقرآن قد نسخ بعضه بعضاً، وقد فعل النبي عليه الصلاة والسلام
أشياء مثل هذا ورجع عنها)، ومن تلك الأمور:
1.
أن الصلاة كانت ركعتين فزيدت في الحضر وبقيت في
السفر، كما دل على ذلك حديث السيدة عائشة رضي الله عنها.
2.
أن بعض صور الكلام لم تمنع ابتداء في الصلاة كرد
السلام والحديث البسيط كما دلت على ذلك كثير من الأحاديث منها
الحديث المعروف بحديث ذي اليدين في مسند الإمام الربيع، وكذا
الحديث المشهور عنه صلى الله عليه وسلم: (إن صلاتنا هذه لا يصح
فيها شيء من كلام الآدميين).
ثم منعت كل هذه
الأمور وصارت الصلاة إلى وضع الاستقرار وهي التي تناقلها الناس
عملياً (قد أفلح المؤمنون*الذين هم في صلاتهم خاشعون).
وكذا الحال
بالنسبة للصلوات، فالصلوات الخمس علمت للجميع ومورست عملياً، وكذا
السنن المؤكدة، علمت للناس وواظب النبي صلى الله عليه وسلم عليهن
ورغب الناس في إتيانهن كالوتر وركعتي الفجر وصلاة العيد، وكذا
الحال بالنسبة للصلوات المندوبة؛ التي رغب الناس فيهن وكانت درجة
الترغيب والممارسة أقل من السنن المؤكدة، ووصل علم ذلك للجميع،
فليست هناك صلوات يخص بها أناس دون آخرين، إنما هي مما يعلم
للجميع.
لذا فثبوت هيئات
الصلاة وكذا الصلوات يجب أن يكون في أعلى درجات الثبوت العلمي،
خاصة بعد دخول المسلمين في نفق الصراع السياسي الذي صبغ كثيراً من
الأمور بطابعه المميز.
دروس في الصلاة:
من أوائل المدارس
الإسلامية التي نشأت في القرن الأول الهجري المدرسة الجابرية، التي
أرسى دعائمها عدد من فقهاء التابعين على رأسهم الإمام الكبير جابر
بن زيد رضي الله عنه، وهذه المدرسة كان لها منهجها الخاص في
التعامل مع النص باختلاف القضايا المطروحة، ومن الكتب التي دونت
آراء منظري تلك المدرسة:
-
مسند الإمام الربيع بن حبيب
-
مدونة أبي غانم الخراساني، وهو تلميذ الربيع وابن
عبدالعزيز وأبي المؤرج.
-
أصول الدينونة الصافية لعمروس بن فتح وهو تلميذ أبي
غانم.
وقضية هيئة الصلاة
كانت من ضمن القضايا التي ناقشوها ووضعوا لها ضوابط واضحة ومحددة
سواء في الثبوت أو الدلالة، ومن دراسة العديد من النصوص التي أثرت
عنهم تبين لنا الآتي:
1. هيئات الصلاة
الأساسية والمتعلقة بهيكلها ودعامتها الأساسية يجب أن تثبت
بالتواتر العملي كعدد الركعات وهيئة الركعة من قيام وركوع وسجود،
وهذا القدر مما اتفقت الأمة عليه ومارسته عملياً.
2. ما يتعلق
بتفصيلات هذه الدعائم يجب أن يثبت بالسنن المجتمع عليها (=هي التي
وصل علمها للجميع وإن كانت بطريق الآحاد) التي يدعمها عمل الأمة
المتواصل.
ومن خلال دراسة
هيئة الصلاة المنقولة عنهم لم توجد بحسب البحث أي جزئية انفردوا
بها عن غيرهم، بل وجد عند غيرهم الانفراد بكثير من القضايا التي
تعد زيادة على الهيئة المعروفة للصلاة.
ومن خلال
الاستقراء للنصوص التي تؤيد هذا التحليل:
1. خلو المسند
والمدونة وهما معتمدهم في الحديث من روايات الحركة والكلام في
الصلاة، بحيث رفضوا الروايات التي خالفت الأصل العملي في وجوب
الخشوع في الصلاة، وهي الهيئة التي استقرت عليها الصلاة تحقيقاً
لقول الله تبارك وتعالى: (قد أفلح المؤمنون*الذين هم في صلاتهم
خاشعون).
يقول في ذلك شيخنا القنوبي حفظه الله في برنامج سؤال أهل الذكر:
(وهذه المسائل التي جاءت في السؤال لا يمكن أن يقال بأنها من
المسائل التي تخفى على
بعض العلماء أو بأنه رووها من قبل ولكنه قد عزبت
عنهم فيما بعد؛ لأن هذه من المسائل
التي تتكرر في سبعة عشر ركعة في اليوم الواحد، وذلك
في الفرائض فضلاً عن السنن
والنوافل فلا يمكن أن يدعي مدع بأنها قد عزبت عن
حفظهم أو أنهم لم يشاهدوا الصحابة
بأنهم كانوا يفعلون ذلك، مع أن بعضهم كالإمام جابر
بن زيد رحمه الله ورضي عنه
وأرضاه قد صلى مئات بل آلاف الصلوات مع صحابة رسول
لله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وعاش معهم فترة طويلة جداً لا
يمكن أن يقال بأنه لم يشاهد ذلك).
ومن أمثلة
الروايات التي رفضت لم يقبلوها لمخالفتها هذا الأصل العملي:
o
ما روي عن عائشة أنها قالت ثم استفتحت الباب ورسول
الله صلى الله عليه وسلم يصلي تطوعاً والباب في القبلة، فمشى
النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه أو عن يساره حتى فتح الباب ثم
رجع إلى الصلاة.
o
عن حذيفة قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم
فما أتى على آية رحمة إلا وقف وسأل وما أتى على آية عذاب إلا وقف
وتعوذ.
o
روايات القنوت في الصلاة (=لعن الخصم السياسي أثناء
الصلاة) لمخالفتها هذا الأصل العملي، ولكونها من كلام الآدميين
الذي لا يصح في الصلاة، إنما هو الذكر والتسبيح وقراءة القرآن، وقد
رووا ذلك عن فقهاء الصحابة كما في مسند الربيع (300) (301).
o
أيضاً ما روي من أدعية كثيرة في مواضع من الصلاة من
مثل ما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه
وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر
لي)، وسبب عدم قيام بنيان فقههم على تلك الروايات هو تعويلهم على
الأصول العملية في الصلاة وفراغهم منها مبكراً، لذا تجد ما عندهم
في الصلاة هي بعينها السنن المجتمع عليها، دون الحاجة للتفتيش عن
روايات تحت ثلوج (سيبيريا) وبلاد (الاسكيمو).
-
وقد تحمل مثل هذه الروايات على تقدير صحتها على ما كان عليه الأمر
قبل استقرار هيئة الصلاة، جاء في المدونة ج1
ص43:
(سألت حاتم بن منصور: من أين أصلي سجدتي الوهم؟ فسره لي.
قال: حدثني غير واحد ممن أثق به من أهل العلم أن النبي صلى الله
عليه وسلم صلى بأصحابه يوماً فنسي بعض صلاته، فلما انصرف قال له
بعضهم: يا نبي الله؛ لقد صليت بنا كذا وكذا أفحدث في الصلاة شيء أم
أمرت فيها بشيء؟.
قال:
"أوَ
قد فعلت؟"
قالوا: نعم. قال لهم النبي عليه الصلاة والسلام:
"أنا
بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، وإذا نسيت فذكروني".
واستقبل القبلة
بعد كلامهم إياه وكلامه إياهم، فصلى بهم ما كان نسي وبنى على ما
كان صلى، ثم سجد سجدتي الوهم وهو قاعد، ولم يقرأ فيها ولم يركع،
ولكنه حين فرغ منها تشهد وسلّم.
وهما تسميان
المرغمتين، وهم بإذن الله يصلحان ما كان قبلهما من السهو والنسيان.
قال أبو المؤرج: هذا حديث منسوخ لا يؤخذ به، وقد وجب على من
تكلم في صلاته أن يعيد الصلاة).
2.تعويلهم في إثبات هيئات الصلاة على السنن المجتمع عليها
والتي يدعمها عمل الأمة المتواصل،
ولو فتش الباحث في الأصول المنقولة عنهم وما توارثته الأجيال من
أعمالهم لوجد أنهم لم يجاوزا هذه القاعدة على الإطلاق، وهذا الأمر
جلب عليهم نقمة من جاءوا من بعد من إخوانهم المسلمين ممن دونوا
الأحاديث حيث درجوا على دمغهم (بإنكار السنة)، في حين أنهم كانوا
أحرص الناس على (تنقية السنة) والذب عن حياضها.
o
جاء في المدونة ج1 ص26-27:
(قال أبو المؤرج: أما الركوع فيقول: "سبحان ربي العظيم" وأما في
السجود فيقول: "سبحان ربي الأعلى" فإذا سجدت فضع كفيك للسجود، وقل
حين تطأطئ رأسك للسجود: "الله أكبر" وإذا رفعت رأسك فقل: "الله
أكبر" وإذا كنت في أول ركعة تريد
القيام فانهض قائماً حين ترفع رأسك من السجدة الأخيرة قبل أن تستوي
جالساً، وإذا كانت الركعة الثانية فاجلس، وتشهد في كل ركعتين تجلس
فيها من الصلاة المكتوبة أو التطوع)،
وفي ج1 ص27:(مما
سألتهم عنه وأخبرني من سألهم عنه: سألتهما: عن التكبير والقراءة
والركوع والسجود. قال الربيع: حدثني أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن
ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام إلى الصلاة كبر
حين يقوم فيها، وإذا ركع كبر، وإذا طأطأ رأسه في السجود كبر، وإذا
رفع رأسه من السجود كبر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هذا
كله. قلت: أيقرأ في الأولى والعصر بشيء غير الفاتحة؟. قالوا
جميعاً: لا؛ إلا بفاتحة الكتاب سراً فيما بينك وبين نفسك).
o
وجاء في أصول الدينونة الصافية ص91: (وسن رسول الله
صلى الله عليه وسلم سنن الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها وتشهدها.
أول ما نفتتح بالتكبير ويقرأ في القيام بفاتحة الكتاب وحدها سراً
في الأولى والعصر، وفي الثالثة من المغرب، والركعتين الأخيرتين من
العشاء، ويقرأ في الركعتين الأولتين من المغرب سورة من القصار مع
فاتحة الكتاب، وفي الأولتين من العشاء بسورة مع فاتحة الكتاب،
ويستحب من ذلك ما يبلغ عشر آيات، وكذلك في الصبح).
o
وترون من هذه النصوص النقل للهيئة العملية للركوع
والسجود والقراءة من واقع السنن المجتمع عليها مما (دعم بالعمل
المتواصل من الأمة).
o
في المقابل تجد الروايات التي لم (يؤيدها العمل)
وليست (من السنن المجتمع عليها) تقدم شكلاً مغايراً لهذا النقل
العملي، من ذلك:
1. عن ابن عباس
رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول بين
السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني.
2. عن ابن عمر
قال: قلت لبلال: كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين
يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول هكذا وبسط كفه.
3. وعن مالك بن
الحويرث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان في وتر من
صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعداً (=أي يقعد بعد السجدة الثانية في
الركعة الأولى والثالثة، وهي ما عرفت بجلسة الاستراحة!).
3. ما كان
معبراً عن الهيئات المكملة لبنية الصلاة وهيكلها العام عولوا فيه
على طرقهم الخاصة التي يثقون بها عن الصحابة رضوان الله تعالى
عليهم:
- جاء في مدونة
أبي غانم ج1 ص91-92: (سألت أبا المؤرج وأبا سعيد عن صلاة الفطر
والأضحى؟.
قالوا جميعاً:
يستفتح بتكبيرة الافتتاح، ثم يكبر أربع تكبيرات يوالي بينهن، ثم
يقرأ ويكبر ويركع ويسجد، فإذا فرغ من قراءته الثانية كبر ثلاث
تكبيرات، ثم يكبر التي يركع بها، ويركع ويسجد.
قال أبو المؤرج:
وهذا أحسن ما سمعت من أبي عبيدة، والذي كان عليه رأيه، وقد كان
يجيز التكبير بتسع، وإحدى عشرة، وثلاث عشرة، إنما يجعل الشفع أولا
والوتر آخراً.
قال: وإن كبرت
بتسع فكبر في الأولى أربعاً وفي الآخرة خمساً، وإن كبرت إحدى عشرة
فكبر أولاً ستاً ثم تستفتح القراءة، ثم تقرأ وتسجد، فإذا نهضت
قائماً فاقرأ، فإذا فرغت من قراءتك فكبر خمساً.
وإن كبرت ثلاث
عشرة فكبر أولاً خمساً ثم تركع وتسجد، فإذا نهضت قائماً فاقرأ،
فإذا فرغت من قراءتك فكبر خمساً، ثم تركع فإذا رفعت رأسك من الركوع
فكبر ثلاثاً، ولا يكبر بعد الركوع إلا الذي يكبر بثلاث عشرة
تكبيرة.
قال أبو المؤرج:
قال أبوعبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس: كل ما وصفت لك من هذا
التكبير في صلاة الفطر والأضحى كله جائز على حال ما وصفت لك).
o
وكذا صلاة العيد من السنن المجتمع عليها، وأيضاً
هيكلها العام من ركعتين تؤديان بتكابير معينة.
o
لكن اختلف الرواة في عدد التكبيرات، فلم يثبت لدى
فقهاء المدونة الذين تلقوا السنة عن الصحابة رضوان الله تعالى
عليهم عدد معين يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مع مواظبته
صلى الله عليه وسلم عليها وحرص الناس على أدائها معه.
o
لذا عولوا على الروايات التي جاءت من طرقهم
الموثوقة عن الصحابة رضي الله عنهم في عدد التكبيرات.
-
جاء في مسند الإمام الربيع (194) أن النبي صلى الله
عليه وسلم صلى صلاة الكسوف
ركعتين بركوع واحد في كل ركعة،
وكذا جاء في مدونة أبي غانم ج1 ص 105-106: (قال حاتم بن منصور:
حدثني من أثق به أن ابن النبي صلى الله عليه وسلم
توفي
يوم انكسفت الشمس قال أناس من الناس: إنما انكسفت الشمس لموت ابن
النبي عليه الصلاة والسلام وتحدثوا في ذلك، وبلغ ذلك النبي صلى
الله عليه وسلم ثم قال:
"أيها
الناس؛ إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت بشر،
فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فاذكروا الله وادعوه"
ثم هبط وصلى بالناس ركعتين رفع فيهما صوته بالقراءة).
o
من المعلوم أن صلاة الكسوف من السنن المجتمع عليها،
وصلاها النبي صلى الله عليه وسلم بهيئة واحدة، لكن اضطربت فيها
الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن قائل صلى بركوعين في كل
ركعة، ومن قائل بثلاث ركوعات في كل ركعة، ومن قائل ومن قائل بأربعة
في كل ركعة، ومن قائل بخمسة (=راجع نيل الأوطار ص 708-715 ط دار
ابن حزم)، وفقهاء المدونة عولوا على طرقهم التي يثقون بها ورووا
أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين كما هو شأن الصلاة المعهودة،
يقول الشيخ السالمي في معارج الآمال ج12 ص53:
(وإنما اختار أصحابنا الوجه الأول لما روى أبو عبيدة عن جابر بن
زيد عن ابن عباس قال: خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه، فقام
قياماً طويلاً، فقرأ نحواً من سورة البقرة، ثم ركع ركوعاً طويلاً،
ثم قام قياماً طويلاً وهو دون القيام الأول، ثم سجد، ثم قام قياماً
طويلاً وهو دون القيام الأول ثم ركع ركوعاً
طويلاً وهو دون الركوع الأول، ثم سجد، ثم انصرف وقد انجلت الشمس).
(ملاحظة هامة:
النقول من مدونة أبي غانم موثقة من طبعة وزارة التراث، لكن في هذه
الطبعة سقط وأخطاء، لذا اعتمدنا على مخطوطة دار الكتب المصرية في
ضبط النصوص).