مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة
 

 

 

السنة والحديث -3

 

 

قلنا في الحلقة الماضية: إن الحديث يكون:

-
إما دالاً على السنة.

-
وإما معبراً عن جوانب منها.

-
وفي أحيان أخرى أخرى قد يحصل للحديث نوع من عدم الانسجام الداخلي مع البنية الهيكلية للسنة نتيجة للعوارض الداخلية والخارجية التي ترافق عملية نقله، فيحتاج الفقيه إلى عملية من المواءمة والموازنة (=التأويل) في قبول الحديث أو رده، لكن علينا التنبيه أنه في بعض الأحيان قد تختلف أنظار الناس في هذه العملية بين القبول والرد بحسب تفكيرهم، وهذا حاصل حتى في عصر الصحابة، فقد روى البخاري (556) ومسلم (826) عن ابن عباس قال: "شهد عندي رجال مرضيون، وأرضاهم عندي عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد الصبح حتى تشرق الشمس، وبعد العصر حتى تغرب ".

وقد تعقبت السيدة عائشة هذه الرواية فقالت: (وهم عمر، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها)[1]. وعند النسائي (570): "أوهم عمر رضي الله عنه، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لا تتحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها)[2].

وقد نحا ابن عمر منحى السيدة عائشة في ذلك ووافقها على رأيها مخالفاً لما يروى عن أبيه حيث قال: (أصلي كما رأيت أصحابي يصلون؛ لا أنهى أحداً يصلي بليل ولا نهار، غير أن لا تحروا طلوع الشمس ولا غروبها)[3].



الحديث بين القبول والرد

(
قد يقع للصحابي أن يسمع من صحابي آخر حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم فيتوقف فيه، حيث لا يراه منسجماً مع ما فهمه من معاني القرآن الكريم، وما سمعه هو من فم النبي صلى الله عليه وسلم، وهنا إما أن يتوقف الصحابي في الرواية مجرد توقف، وإما أن ينكرها إطلاقاً، حملاً لها على سهو الناقل وخطئه ووهمه)[4].

كما علمنا في الفصول الماضية أن السنة هي الطريقة المتبعة المطردة، لذا كان المعبر عنها بما استقر عليه العمل وما اجتمعوا عليه دون ما يروى آحاداً، ومن خلال تتبع طريقة فقهاء المدرسة الجابرية تبين أنهم عبروا عن الآحاد بمصطلحات الرواية والحديث، حرصاً منهم على فصل ما يعبر عن طبيعة الدين ومصدره التشريعي المطلق عن التطبيق الزمني الظرفي المولَد من التشريع الدائم المطلق.

لذا مارسوا فهم الحديث والرواية في ضوء السنة، مع التنبيه على أن السنة لديهم لم تنفصل على الإطلاق عن القرآن، فهما يمثلان معاً المرجعية العليا للإسلام، فـ(السنة مأخوذة من الكتاب)[5]، وهي (عمل بكتاب الله وبه وجب اتباعها)[6].

لذا لم يتردد فقهاء المدرسة الجابرية في ترك مئات الروايات الآحادية أو تأويلها تعويلاً على فهمها وعرضها على السنة المتمثلة في السنة العملية المتبعة وأنساق القواعد العامة والمقاصد الكلية للمارسات العملية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تحقق ترابطها وانسجامها الداخلي. ومن أمثلة ذلك عندهم:

(1) القنوت في الصلاة

قال أبو غانم الخراساني في مدونته (سألت أبا المؤرج: هل في الصلاة قنوت؟.

قال: حدثني أبو عبيدة أنه سأل جابر بن زيد عن ذلك فقال: الصلاة كلها قنوت، قال الله تبارك وتعالى: "أمن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً" فالصلاة كلها قنوت.

قلت: يا أبا الشعثاء؛ ليس عن هذا أسألك، ولكن إنما أسألك عن الذي يفعل هؤلاء بعد الركوع، يدعون ويهللون وهم قيام.

قال: هذا أمر محدث لا نعرفه ولا نؤثره عمن مضى من هذه الأمة). والقنوت في نشأته الأولى عبارة عن لعن الخصم السياسي أثناء الصلاة لم يقبلوه لمخالفته الأصل العملي، ولكونه من كلام الآدميين الذي لا يصح في الصلاة، إنما هو الذكر والتسبيح وقراءة القرآن، وقد رووا ذلك عن فقهاء الصحابة كما في مسند الربيع.

- (
أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيناه قنت في صلاته قط).[7]

- (
أبو عبيدة قال: وقد سمعت عن ابن عمر أنه لا يرى القنوت في الصلاة ولم يقنت في صلاته قط، وكان يراه بدعة)[8].

- (
وعن الإمام رضي الله عنه (=الإمام أفلح بن عبدالوهاب) مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق جابر بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت قط في صلاته ولا الخليفتين بعده)[9].

- (
الإمام عن أبي غانم الخراساني عن حاتم بن منصور قال: حدثني من لا أتهم قوله من أصحابنا وأنا بمصر أو في طريق مصر عن أبي أهيف الحضرمي فقيه أهل مصر عن ابن عمرانة، قال: كان في الزمان الذي كان فيه أقرب إسناداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم من غيره.

قال حاتم بن منصور: حدَّثَني عن القنوت في صلاة الصبح بعدما سألته، هل بلغك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قنت؟.

قال: فقال لي: لم يصنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال حاتم: فقلت له: كيف كان يصنع فيما بلغك؟.

قال بلغني أنه كان إذا فرغ من القراءة الأخيرة قرأ بقل هو الله أحد ولا يقنت)[10].

(2) حديث أفطر الحاجم والمحجوم

قال أبو غانم في المدونة: (سألت أبا المؤرج وأبا سعيد عبدالله بن عبدالعزيز، وأخبرني محبوب عن الربيع: عن قول الناس أفطر الحاجم والمحجوم[11]. قالوا جميعاً: إنما يكره ذلك للصائم مخافة أن يضعف، فإن لم يخف ضعفاً فليحتجم إن شاء)[12].

(3) حديث النهي عن صيام الجمعة

قال أبو غانم في المدونة: (سألت أبا المؤرج وابن عبدالعزيز: عن صيام يوم الجمعة ويوم عرفة.

قالا: حسن جميل.

قلت لهما: إن رجالاً يكرهونهما من أجل أنهما عيدان[13].

قال أبو المؤرج: سألت عن ذلك أبا عبيدة فقال: إن أفضل ما صمت فيه يوم الجمعة ويوم عرفة، إلا أن يكون يوم الجمعة التي يكره الصيام فيها.
قلت: وما هي يا أبا عبيدة؟.

قال: يوم الفطر والأضحى، وأيام التشريق، ويوم الشك)[14].

(4) حديث عن صيام آخر يوم من شعبان

جاء في الديوان المعروض: (باب في رجل يصوم آخر يوم من شعبان متحرجاً لرمضان. قال قوم: حسن جميل، لأن الله لم يحرم صوم شعبان كله ولا صوم بعضه، ولأنه يصام في الكفارة، وفي التطوع وصيام آخر يوم من شعبان كصيام جميع الأيام، فإذا أصاب رمضان فكان موافقاً لرمضان، وإن لم يوافق رمضان لم يكن عليه حرج في صيام يوم من الأيام.

وقال قوم: لا يصام آخر يوم من شعبان، ورووا فيه حديثاً والله أعلم به. قالوا: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "لأن أفطر يوماً من رمضان أحبّ إليّ من أن أصوم آخر يوم من شعبان".

ولسنا نرى أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول هذا، لأن صوم رمضان فريضة افترضها الله على النبي عليه الصلاة والسلام ولم يحرم عليه صوم شعبان أو آخر يوم منه.

حدثنا هارون بن اليماني في هذا الحديث أنه قال: حديث مقلوب، إنما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: "لأن أصوم آخر يوم من شعبان أحبّ إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان".

حدثنا هارون بن اليماني، رفع الحديث إلى أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال السحاب في صومه فعدوا لـه، وإن حال السحاب دونه في فطره فأكملوا العدة ثلاثين يوماً")[15].

(5) حديث البيعان بالخيار

روى الربيع (574): أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البَيِّعان بالخِيار ما لم يَفْتَرِقا).

قال الربيع: قال أبو عبيدة: "الافتراق بالصفقة أي يبيع هذا ويشتري هذا، وليس كما قال من خالفنا بافتراق الأبدان، أرأيت إن لم يفترقا يومين أو ثلاثة أيام أو أكثر، فلا يستقيم على هذا الحال بيع لأحد"[16].

قال أبو غانم في المدونة: (سألت ابن عبدالعزيز وأخبرني من سأل الربيع بن حبيب عما روى الناس ورفعوه إلى النبي عليه السلام أنه قال: البايعان بالخيار ما لم يفترقا[17].

قالوا جمياً: بلغنا ذلك عن النبي عليه السلام والأمر عندنا كذلك.

قال ابن عبدالعزيز: البيع جايز ماض وإن لم يفترقا، والله أعلم بحديث النبي عليه السلام ما معناه، والافتراق عندنا افتراق صفقة البيع)[18].

والرواية التي ناقشها الإمام أبو عبيدة وتلميذاه: الربيع بن حبيب وعبدالله بن عبدالعزيز رووها بأنفسهم من طرقهم التي يثقون بها، لكنهم سلكوا بها مسلك التأويل لمخالفة ظاهرها للأصول الكلية والقواعد التشريعية فـ(الله أعلم بحديث النبي عليه السلام ما معناه)، ورأوا أنها لا تتسق والأصول الكلية إلا بحملها على (افتراق صفقة البيع) كما قال ابن عبدالعزيز، وأن (الافتراق بالصفقة أي يبيع هذا ويشتري هذا) كما قال الإمام أبو عبيدة، (وليس كما قال من خالفنا بافتراق الأبدان).

والظاهر أنهم سلكوا هذا المسلك اعتماداً على:

-
أن البيوع تدخل ضمن دائرة الوجود الاجتماعي بعلاقاته الشائكة التي تتأثر باستمرار بمتغيرات الحياة المتسارعة، لذا كان الأصل في البيوع التي تظهر هي الإباحة قال الله تعالى (وأحل الله البيع وحرم الربا) وما كان محرماً منها فهي البيوع التي تشتمل على الغرر أو الضرر بالفرد أو المجتمع، ومن استقراء واقع البيوع المحرمة التي جاءت بها الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يتبين لنا هذا، (والأصل فى العقود جميعها هو العدل، فإنه بعثت به الرسل وأنزلت الكتب قال تعالى "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط"، والقرآن نهى عن الربا لما فيه من الظلم، وعن الميسر لما فيه من الظلم، وكلاهما أكل للمال بالباطل، وما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من المعاملات كبيع الغرر وبيع الثمر قبل بدو صلاحه وبيع السنين وبيع المزابنة والمحاقلة ونحو ذلك هي داخلة إما فى الربا وإما في الميسر)[19] ، فالاعتبار في الاقتصاد هو تحقق العدالة وارتفاع الظلم، وهذا ما دل عليه استقراء الشريعة الإسلامية، وظهور أي معاملة من المعاملات الاقتصادية إنما يحكم فيها هذا الأمر، والشروط المصاحبة للعقد ينظر فيها هل تحقق العدالة وترفع الظلم فتجاز، أو توقع الظلم فتحرم [20].

-
والحرج مرفوع في الشريعة قال الله تعالى: (ما جعل عليكم في الدين من حرج)، وصاغ الفقهاء ذلك في قواعدهم الفقهية بقولهم (المشقة تجلب التيسير) ، والمشقة الكامنة في هذا الأمر أن إلغاء صفقة البيع التي تمت طالما البيعان في المجلس يؤدي أن (لا يستقيم على هذا الحال بيع لأحد)[21] وتتعرض المعاملات التجارية التي تقضي حوائج الناس للضيق الشديد والعسر في التنفيذ.

(6) حديث "من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس"

قال أبو غانم في المدونة: (قلت لأبي المؤرج أبلغك ما يروي هؤلاء عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام؟.

قال: وما هو؟

قلت: يقولون إن رجلاً أفلس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رجلاً قد باعه متاعاً فوجد الرجل ذلك المتاع بعينه فرد عليه متاعه، قال أبو هريرة: فإن كان بيع منه شيء فإن الناس يطلبون صاحب المتاع كأحد الغرماء.

قال: الله ورسوله أعلم بهذا الحديث، وما قال رسول الله فهو حق، والقول من الناس كثير، غير أن أصحابنا يروون أنه بين الغرماء بالحصص، ولست أعرف بينهم في ذلك اختلافاً، إلا أن يكون الرجل المفلس خدع رجلاً من المسلمين فاشترى منه بعدما أفلس ولم يطلع على إفلاسه، ثم علم بعد ذلك؛ فذلك الذي يقول أصحابنا يأخذ متاعه، وليس لأحد من الغرماء فيه شيء، لأنه بمنزلة قاطع الطريق، أو بمنزلة السارق.

قلت: فلو كان اشترى جارية على هذه الجهة التي أعلمتني بها، ثم علم الرجل بإفلاسه، فانطلق إليه يأخذ جاريته، فوجد المفلس قد أحدث فيها عتقاً؟.

قال: لا يجوز عتقه، ولا نعمت له عين)[22]. وهذا النص في المدونة تداول فيه أبو غانم وأبو المؤرج رواية رواها الربيع (593) والبخاري (2272) ومسلم (1559) والنسائي في السنن الكبرى (6272) وأبو داود (3519) والترمذي (1262) عن أبي هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ماله بعينه عند رجل قد أفلس أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره). قال أبو عيسى الترمذي: (حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق، وقال بعض أهل العلم هو أسوة الغرماء، وهو قول أهل الكوفة)[23].

نتساءل ما الذي جعل فقهاء المدرسة الإباضية الأولى يرون أن مال المفلس بين الغرماء بالحصص بلا خلاف بينهم في ذلك، بينما الرواية تنص على خلاف ذلك؟.

أولاً: لم تكن الرواية تشكل طابعاً إلزامياً بفعل طبيعة نقلها الآحادية لذا قال أبو المؤرج: (الله ورسوله أعلم بهذا الحديث) مع التنبيه على عدم الاستخاف أبداً بما يصدر عنه صلى الله عليه وسلم (وما قال رسول الله فهو حق)، وبسبب كون المسألة لم تشكل سنة ماضية فـ(القول من الناس كثير)، وآراؤهم متنوعة حولها استناداً إلى الأصول الكلية والقواعد التشريعية في هذا الباب، ومن هؤلاء فقهاء المدرسة الإباضية الأولى.

ثانياً: ومما يظهر أن الأصول الكلية والقواعد التشريعية التي قام عليها هذا الرأي:

تحقيق العدل في إرجاع الحقوق لأصحابها قال تعالى (وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)، إذ المفلس شخص (تزيد ديونه على موجوده)[24] يطالبه الناس بإرجاع حقوقهم من الأموال، وهو في كثير من الأحيان لا يملك ما يغطي كل تكاليف ديونه، فما يملكه مما قد تعود ملكيته السابقة لأي من الغرماء فيه نصيب لبقيتهم، فأخذ أي من الغرماء لأشياء تعود ملكيتها السابقة له في حقيقته تعد على حصص بقية الغرماء، لذا رأى فقهاء المدرسة الإباضية الأولى أنه بين الغرماء بالحصص، ليس بينهم في ذلك اختلاف.

ثالثاً: أما الرواية فحملوها على حال كون (المفلس خدع رجلاً من المسلمين فاشترى منه بعدما أفلس ولم يطلع على إفلاسه، ثم علم بعد ذلك؛ فذلك الذي يقول أصحابنا يأخذ متاعه، وليس لأحد من الغرماء فيه شيء، لأنه بمنزلة قاطع الطريق، أو بمنزلة السارق)، وهذا التوجيه للرواية لم يذكر بالطبع في الرواية، لكنه محمل صحيح تفرضه الأصول الكلية والقواعد التشريعية.

(
قال ابن وصاف: المسألة من الجامع، ومن أخذ من قوم مالاً ثم أفلس فهو بين الغرماء، وإن أخذه بعد أن أفلس ولم يعلم فتلك خيانة وصاحب المال أحق به أدركه بعينه، وقال أبو الحسن: من أخذ مال قوم ثم أفلس فهو بين الغرماء، ودين رب المال بالحصة عليه، وإن أخذه بعد أن أفلس فعلى قول تلك خيانة والمال لربه أحق به إذا أدركه بعينه)[25].

(
وقال أبو معاوية عزان بن الصقر وتبعه أكثر من جاء بعده من فقهاء الأصحاب: إن كان إفلاسه من بعد ما اشترى فالبائع والغرماء سواء في المتاع، وإن اشتراه بعد إفلاسه ثم مات فهو بمنزلة المتغتصب، فإن وجد المتاع بعينه أخذه، وإن لم يوجد المتاع فثمن المتاع في ماله، وله الوفاء دون الغرماء)[26]، وكما يظهر من هذه النقول أن هذا الرأي هو الذي ساد لدى أكثر فقهاء المذهب الإباضي (وهو في غاية من التحقيق)[27].

(7) حديث "لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه"

روى الإمام الربيع (89): أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه). قال الربيع: قال أبو عبيدة: ذلك ترغيب من النبي صلى الله عليه وسلم في نيل الثواب الجزيل في ذكر الله.

يرى الإمام أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة أن التسمية مندوبة وليست فرضاً مع مجئ الحديث عنه صلى الله عليه وسلم بلفظ (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) التي .

ومرد هذا الرأي فيما يظهر أنه نظر إلى:

أن فرائض الوضوء وأركانه الأساسية ثابتة بالكتاب العزيز (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين) (وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم المضمضة والاستنشاق)[28] ومسح الأذنين من خلال الممارسة العملية، قال أبو غانم الخراساني (حدثني الربيع: أنه سأل أبا عبيدة مسلم بن أبي كريمة عن الوضوء للصلاة، قال: تبدأ فتغسل كفيك، ثم تستنجي، ثم تمضمض فاك، ثم تستنشق بالماء، وتغسل وجهك وذراعيك إلى المرفقين، وتمسح برأسك وأذنيك ظاهرهما وباطنهما، وتغسل رجليك إلى الكعبين)[29].

فالوضوء بهيئاته وكيفيته ثابت بنصوص الكتاب العزيز والسنة العملية المجتمع عليها، لذا فعندما وردتهم هذه الرواية تعاملوا معها بالشكل التالي:

-
نظروا إلى كونها تحث على الذكر في حال الشروع في الوضوء، وذكر الله تعالى عند الشروع في الأعمال وردت بها بعض جزئيات الشريعة كالذبح والصيد والجماع والأكل، وذكر الله تعالى على أي حال أمر مرغب فيه (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم)، فالرواية لا تخرج عن نطاق هذه الأصول.

-
لكن رفعها لدرجة الإلزام يحتاج إلى مستوى من الممارسة العملية في الوضوء ذاته، إذ إن بقية هيئات الوضوء ثبتت بهذه الكيفية، والدلالة اللغوية للرواية المنقولة لا تكفي وحدها لرفع الأمر إلى درجة الإلزام في مثل هذه الأبواب، لذا اكتفى الإمام أبو عبيدة بالقول باستحباب ذكر الله تعالى عند الشروع في الوضوء وقال: (ذلك ترغيب من النبي صلى الله عليه وسلم في نيل الثواب الجزيل في ذكر الله).


--------------------------------------------------------------------------------

[1]
صحيح مسلم (833).

[2]
انظر أيضاً مسند الربيع (299): أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يتحرى أحدكم أن يصلي عند طلوع الشمس أو عند غروبها).

[3]
صحيح البخاري (564).

[4]
منهج نقد المتن عند علماء الحديث النبوي ص 105، صلاح الدين الأدلبي.

[5]
كتاب الجامع ج1 ص 280، محمد بن عبدالله بن بركة.

[6]
المرجع السابق ج1 ص 280.

[7]
الربيع (303).

[8]
الربيع (304)

[9]
كتاب الترتيب، روايات الإمام أفلح (6).

[10]
كتاب الترتيب، روايات الإمام أفلح (9).

[11]
الترمذي (774)، أبو داود (2371)، النسائي (3137)، الدارمي (1731).

[12]
المدونة الصغرى ج1 ص 164، بشر بن غانم الخراساني.

[13]
روى مسلم (1144) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم)، وروى البخاري (1884) ومسلم (1144) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يوماً قبله، أو يوماً بعده)، وعند ابن خزيمة (2161) عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن يوم الجمعة يوم عيد فلا تجعلوا يوم عيدكم يوم صيامكم إلا أن تصوموا قبله أو بعده).

[14]
المدونة الصغرى ج1 ص 168، بشر بن غانم الخراساني.

[15]
الديوان المعروض (كتاب الصيام ص 28).

[16]
كتاب الترتيب (الجامع الصحيح) ص 259.

[17]
البخاري (1976)، مسلم (1532) من طريق حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا). قال أبو عيسى الترمذي في "سنن الترمذي ج3 ص547 " : (وفي الباب عن أبي برزة وحكيم بن حزام وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو وسمرة وأبي هريرة).

[18]
المدونة الصغرى ج2 ص 129، بشر بن غانم الخراساني.

[19]
كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه ج20 ص510 (مع تصرف بسيط) ، أحمد بن عبدالحليم بن تيمية.

[20]
ربا النسيئة وربا الفضل ص 6(مقال)، خميس بن راشد العدوي.

[21]
كتاب الترتيب (الجامع الصحيح) ص 259.

[22]
المدونة الصغرى ج2 ص 148، بشر بن غانم الخراساني.

[23]
سنن الترمذي ج3 ص562 .

[24]
شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج13 ص 608، محمد بن يوسف اطفيش.

[25]
المرجع السابق ج 13 ص 635.

[26]
شرح الجامع الصحيح ج3 ص 234، عبدالله بن حميد السالمي.

[27]
المرجع السابق ج3 ص 234.

[28]
أصول الدينونة الصافية ص 92، عمروس بن فتح.

[29]
المدونة الصغرى ج1 ص 13، بشر بن غانم الخراساني.

 

 

 

تحدثنا في الحلقة الماضية عن معنى السنة في استعمال فقهاء المدرسة الجابرية، وقلنا إن مصطلح السنة لديهم يدل على سنن مورست عملياً ومثلت المقدار المتفق عليه بين المسلمين أوبعبارة ابن بركة ما (أيده العمل أو وقع عليه الإجماع)[1] وهذا هو معنى قولهم (سنة ماضية)، وأحياناً يعبرون بالسنة عن المعاني الثاوية في مجموع النصوص الثابتة في الكتاب والسنة.

الحديث والرواية في استعمال المدرسة الجابرية

وهذه نصوص من تراث المدرسة الجابرية في استعمال مصطلحي الحديث والرواية.

1.
قال الإمام جابر بن زيد: (كيف يمسح الرجل على خفيه والله تعالى يخاطبنا في كتابه بنفس الوضوء؟! والله أعلم بما يرويه مخالفونا في أحاديثهم)[2].
2.
قال الإمام جابر: (وهذه الرواية تمنع من التيمم بغير التراب) [3].
3.
قال أبو المؤرج: (لسنا نأخذ بهذا من حديث ابن عمر، وقد كان أبوه أمير المؤمنين رحمة الله عليه يقول بخلاف هذا القول)[4].
4.
قال أبو غانم في المدونة: (حدثني أبو المؤرج عن أبي عبيدة رفع الحديث إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه إذا قام إلى الصلاة قال: سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. ثم يتعوذ من الشيطان الرجيم ويكبر)[5].
5.
قال أبو غانم في المدونة: (وروى لي أبو المؤرج عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أن رجلاً من الأنصار ذبح ضحيته ثم خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى، فلما انصرف النبي عليه الصلاة والسلام، وعاب ذلك عليه أصحابه.........)[6].

6. قال أبو غانم في المدونة: (سألت أبا المؤرج: عن الإمام يؤم الناس؛ كيف ينبغي أن يصلي بهم؟.
قال: حدثني أبو عبيدة فقال: من أم الناس فليخفف وليصل بأضعف من خلفه، فإنه يصلي وراءه السقيم والضعيف وذو الحاجة والكبير والمريض والحامل. ولا أحسبه إلا وقد رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم)[7].
7.
قال أبو غانم في المدونة: (أليس قد روى الناس عن النبي عليه السلام أنه يتوضأ بنبيذ التمر إذا لم يجد الماء حين وفد الجن. قال أبو المؤرج: قال الله أعلم بما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو نعلم أن النبي عليه السلام فعل ذلك لأخذنا به) [8].
8.
قال أبو غانم في المدونة: (سألت ابن عبدالعزيز وأخبرني من سأل الربيع بن حبيب عما روى الناس ورفعوه إلى النبي عليه السلام أنه قال: البايعان بالخيار ما لم يفترقا. قالوا جميعاً: بلغنا ذلك عن النبي عليه السلام، والأمر عندنا كذلك، قال ابن عبدالعزيز: البيع جايز ماض وإن لم يفترقا والله أعلم بحديث النبي عليه السلام ما معناه، والافتراق عندنا افتراق صفقة البيع)[9].
9.
قال أبو غانم في المدونة: (قلت: أخبرني عن قول هؤلاء فيما رووه ورفعوه إلى أبي سعيد الخدري أنه قال: ليس فيما دون المائتين من الورق شئ، ولا فيما دون عشرين مثقالاً من الذهب شئ، ولا فيما دون الأربعين من الشياه شئ، ولا فيما دون الثلاثين من البقر شئ، ولا فيما دون خمسة من الإبل شئ، ولا فيما دون خمسة أوساق من الحنطة والشعير والزبيب والتمر شئ. والوسق ستون صاعاً.
قال: كل حديثهم الذي ذكرت مستقيم، غير قولهم: "ليس فيما دون ثلاثين من البقر شئ"، وزكاة البقر عندنا كزكاة الإبل يؤخذ منها ما يؤخذ من الإبل، ويعمل فيها ما يعمل في الإبل، وسائر ما ذكرت من السنة في الذهب والورق والغنم والحنطة والإبل والشعير والزبيب والتمر كما ذكرت)[10].
10.
قال أبو غانم نقلاً عن أبي المؤرج: (لأن السنة عن النبي عليه السلام على المدَّعي البينة والمنكر اليمين، والبائع الآن هو المنكر عليه اليمين، فلست أن أحطها منه وأحولها إلى غيره ممن لم يجعلها عليه النبي عليه السلام)[11].

- من كل النصوص السابقة يتبين أن فقهاء المدرسة الإباضية الأولى استعملوا مصطلح (الحديث) للتعبير عن معاني:

·
أحاديث تنسب إلى الصحابي (=قول للصحابي)، مثال ذلك (3 ، 4).

·
رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم. مثال ذلك (5 ، 6).

-
في النصوص (2، 3): استخدم فقهاء المدرسة الجابرية مصطلح (الرواية) للتعبير عما تفرد به الآحاد من الرواة فيما يروونه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومثال ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً ".

-
في النصوص (1، 3، 7 ،8 ،9): اعترض فقهاء المدرسة الجابرية على بعض الروايات والأحاديث التي رويت عنه صلى الله عليه وسلم أو عن غيره من الصحابة لمخالفتها ما هو أقوى منها في نظرهم، وحملوا البعض الآخر على محمل مقبول اقتضاه النظر في الثابت من النصوص من الكتاب والسنة.

من واقع الاستقراء للنصوص السابقة المأثورة عن فقهاء المدرسة الجابرية، يتبين لنا:

-
من هذا الاستقراء للنصوص الإباضية الأولى، نجد أن مصطلح:

1.
السنة: استعمل للتعبير عما جرى عليه عمل الأمة واستقرت عليه الشريعة وما اجتمعت عليه من السنن، دون ما ينفرد به الأفراد القليلون.

2.
الرواية: استعمل للتعبير عن بعض ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال قيلت في مناسبات ووقائع لا تذكر في كثير من الأحيان الملابسات والظروف التي قيلت فيها من قبل الرواة، مما ينفردون به عن غيرهم.

3.
الحديث: استعمل للتعبير عن أقوال أو أفعال تنسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو أحد من صحابته الكرام رضي الله عنهم، مما يرويه الآحاد من الناس.

-
إذن نلاحظ أن مصطلحي (الرواية) و(الحديث) متقاربان جداً وليس بينهما سوى فروق طفيفة للغاية، بينما مصطلح (السنة) يعبر عن درجة أعلى ومستوى من الثبوت أرقى، هذا ما بينه الاستقراء.

العلاقة بين السنة والحديث

قدمنا فيما سبق من تعريفات للسنة والحديث أن السنة تعبر عن الجانب التشريعي المتيقن منه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما يعبر الحديث عن وقائع متفرقة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم مما ينفرد به الآحاد من الرواة.

إذن يكون بذلك الحديث دالاً على السنة أحياناً، وفي أحيان أخرى معبراً عن جوانب منها، وفي أحيان أخرى قد يحصل للحديث نوع من عدم الانسجام الداخلي مع البنية الهيكلية للسنة نتيجة للعوارض الداخلية والخارجية التي ترافق عملية نقله، ومن هذه العوارض: النسيان والخطأ والرواية بالمعنى والبتر والزيادة وغيرها مما يعتري حتى أوثق الرواة، قال الإمام أبو عبيدة مسلم في رسالته عن الزكاة التي وجهها إلى أتباعه بالمغرب (فما كان من صواب فمن الله، وما كان من خطأ في رواية أو خبر أو غير ذلك فمن نفسي، استغفر الله من جميع ما ليس هو له رضى) [12] وهذه الرسالة فيها من الأخبار والروايات عن الرسول صلى الله عليه وسلم وعن صحابته الكرام، وأبو عبيدة راو من رواة الحديث كما يظهر من مسند الربيع ومدونة أبي غانم، فقوله (وما كان من خطأ في رواية أو خبر) ينصرف لمعنى الرواية والخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو صحابته.

لذا كان بعض علماء الصحابة ينكر على من يسرد الحديث عن النبي صلى الله عليه بدون ذكر الوقائع والملابسات التي تكتنفه، فعندما كان الصحابي أبو هريرة يروي ويروي عن النبي صلى الله عليه وسلم كانت السيدة عاشة تقول: (ولو أدركته لرددت عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسرد الحديث كسردكم)[13] وكان عمر بن الخطاب يوصي بالإقلال من الحديث والرواية، روى ابن ماجه (28) والدارمي في السنن (280) والحاكم في المستدرك (347) عن قرظه بن كعب قال: بعث عمر بن الخطاب رهطاً من الأنصار إلى الكوفة، فبعثني معهم، فجعل حتى أتى صرار ـ وصرار ماء في طريق المدينةـ فجعل ينفض الغبار عن رجليه، ثم قال: "إنكم تأتون الكوفة، فتأتون قوماً لهم أزيز بالقرآن، فيأتونكم فيقولون قَدِم أصحاب محمد قدم أصحاب محمد، فيأتونكم فيسألونكم عن الحديث، فاعلموا أن سبغ الوضوء ثلاث وثنتان تجزيان".

ثم قال: "إنكم تأتون الكوفة، فتأتون قوماً لهم أزيز بالقرآن فيقولون قَدِم أصحاب محمد قدم أصحاب محمد، فيأتونكم فيسألونكم عن الحديث، فأقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم فيه".

نخلص من كل ذلك أن الحديث يكون:

-
الحديث دالاً على السنة.

-
وفي أحيان أخرى معبراً عن جوانب منها.

-
وفي أحيان أخرى أخرى قد يحصل للحديث نوع من عدم الانسجام الداخلي مع البنية الهيكلية للسنة نتيجة للعوارض الداخلية والخارجية التي ترافق عملية نقله.

(1)
عندما يكون الحديث دالاً على السنة.

-
روى الإمام الربيع (523): أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها).

قال أبو عيسى الترمذي بعد روايته للحديث عن ابن عباس وأبي هريرة: (حديث ابن عباس وأبي هريرة حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند عامة أهل العلم لا نعلم بينهم اختلافاً أنه لا يحل للرجل أن يجمع بين المرأة وعمتها)[14].

فهذا الحديث عبارة عن عمل مورس من قبل المسلمين عبروا فيه عن السنة (=الطريقة المتبعة) النبوية، وهذا التشريع في حقيقته موجود في كتاب الله تعالى، فالله تعالى نهى عن الجمع بين الأختين (وأن تجمعوا بين الأختين)، ونهى عن نكاح البنت إذا كانت الأم قد دخل بها الرجل (وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن)، أما مجرد العقد على البنت فيجعل الأم محرمة على الرجل (وأمهات نسائكم)، فمن تلك التشريعات يظهر حرص الإسلام على الحفاظ على منظومة العلاقات الاجتماعية داخل الأسرة من أن يقطعها الاشتراك في علاقة الزوجية (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم)، وهذا يشمل القرابة من الدرجة الأولى كالأم والبنت والأخت، وجاء النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها من التشريع النبوي المفعل للتعاليم والرؤية القرآنية.

-
روى الإمام الربيع (239): أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: (التحيات كلمات كان يعلمهن النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، ومعنى التحيات الملك لله)، وجاء في مدونة أبي غانم من كلام أبي المؤرج: (التشهد أن تقول حين تجلس بعد كل ركعتين: "التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله". ثم تدعو بعد كمال الرابعة وبعد هذا التشهد بما بدا لك وبما يصلح لك أن تدعو به. قال أبو المؤرج: قال أبو عبيدة: فهذا تشهد عبدالله بن مسعود)[15].

وهذه الأحاديث في التحيات (=على اختلاف يسير في بعض ألفاظها) مثلت السنة العملية المجتمع عليها بين المسلمين والتي حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليمها لأمته، (قال الربيع وأبو المؤرج: بلغنا عن عبدالله بن مسعود أنه كان يعلم أصحابه هذه الكلمات من التشهد كما كان يعلمهم السورة من القرآن، وكان ابن مسعود يقول: "علمنيهن النبي عليه السلام")[16].

(2)
عندما يكون الحديث معبراً عن جوانب من السنة.

فالحديث عبارة عن نقل وقائع متفرقة من حياة النبي صلى الله عليه وسلم يشهدها بعض الصحابة وينقلونها (=مستلهمين في ذلك فهمهم في كثير من الأحيان)، ومن خلال ربط تلك الأقوال أو الممارسات بالأصول الكلية للدين من الكتاب والسنة يتبين لنا أن الأحاديث لا تخرج في طبيعتها عن:

-
القوانين الإلهية في كتاب الله تعالى، بالتشريع النبوي داخل القواعد والمقاصد الكلية للكتاب العزيز، بتطبيق أحكامه وبيان معانيه ودلالاته.

-
القوانين الكونية والاجتماعية: وهذه أيضاً تطبيق للقواعد والمقاصد القرآنية في واقع الحياة المتغير، وهذا البعد لابد من إدراكه لدى الفقيه في تعامله مع الأحاديث، إذ إن إدراك هذا البعد الزمني الذي ورد في النص المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفق مقاصد الشريعة وقواعدها الكلية هو الذي يضمن عملية التفريق الدقيق بين التشريع النبوي وبين تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم للنصوص وفق حركة المجتمع والحياة [17].

ولنضرب على لك مثالين:

المثال الأول:

روى الإمام الربيع (623) من طريق ابن عباس عن النبي عليه السلام أنه سئل عن ضالة الغنم فقال: (خذها فهي لك أو لأخيك أو للذئب). ثم قيل له: ما تقول في ضالة الإبل؟، فاحمر وجهه وغضب وقال: (مالك ولها، معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها).
وروى الإمام الربيع (624) ومن طريق ابن عباس أن أعرابياً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن لقطة التقطها، فقال: (عرفها سنة، فإن جاء مدعيها بوصف عفاصها ووكائها فهي له، وإلا فانتفع بها). قال الربيع: العفاص الوعاء، والوكاء الخيط الذي تشد به.

وعند الربيع (625) من طريق ابن عباس أيضا أن زيد بن ثابت التقط صرة فيها مائة دينار، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال له: (عرفها سنة، فمن جاءك بالعلامة فادفعها له). فجاءه عند تمام السنة فقال له: عرفتها يا رسول الله سنة. فقال له: (عرفها سنة أخرى). فجاءه عند انقضاء السنة الثانية فأخبره أنه عرفها سنة أخرى، فقال: (هو مال الله يؤتيه من يشاء).

وهذه الأحاديث رواها البخاري (91) ومسلم (1722) وغيرهم.

ومن هذه الأحاديث نلحظ:

-
أن حق صاحب اللقطة لا يسقط بالتقادم.

-
وأن الانتفاع بالمفقود أولى من إهلاكه، فالمال يُعرّف سنة أو سنتين ثم ينتفع به، ويلزم رده عند ظهور صاحب الحق.

-
وأن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز التقاط ضالة الغنم ونهى عن التقاط ضالة الإبل.

وهذه التشريعات مأخوذة من القواعد التشريعية العامة من الكتاب والسنة العملية، فالله تعالى يقول: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) فمن ثوابت الإسلام ومن أخص صفات المؤمنين حفظ الأمانة وتأديتها إلى أهلها (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون).

وكذا الانتفاع بها إن لم يعرف صاحبها بعد تعريفها هو من باب الحفاظ على المال من الضياع والإهمال، وحق صاحبها لا يسقط بالتقادم، لأن الحق لا ينتقل عن صاحبه إلا بموجبات شرعية كالهبة أو الهدية أو البيع وما شابهها، فالله تعالى نسب المال إلى أصحابه (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) (وآتوا اليتامى أموالهم)، ولا تنتقل هذه الملكية إلا بوجه مشروع }يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم{، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان أمام الأمة في حجة الوداع: (فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا)[18].

أما ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في جواز إيواء ضالة الغنم والنهي عن إيواء ضالة الإبل؛ فلأن ضالة الإبل (معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها) بخلاف ضالة الغنم.

فتجدون من كل هذه التشريعات النبوية أنها تُستَقى من أمرين اثنين:

-
القواعد التشريعية العامة في الكتاب العزيز والسنة العملية.

-
دائرة الوجود الإنساني الاجتماعي التي تعمل فيها هذه القواعد.

وقد أدرك الصحابة رضوان الله تعالى عليهم هذا الأمر، فلم يقفوا عند ظواهر الألفاظ مستأسرين لحرفيتها، بل غاصوا في حقائق مراميها واكتشاف قواعدها وأصولها، روى مالك في الموطأ (عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن ثابت بن الضحاك الأنصاري أخبره أنه وجد بعيراً بالحرة فعقله، ثم ذكره لعمر بن الخطاب، فأمره عمر أن يعرفه ثلاث مرات. فقال له ثابت إنه قد شغلني عن ضيعتي. فقال له عمر: أرسله حيث وجدته)[19].

و(كانت ضوال الإبل في زمان عمر بن الخطاب إبلاً مؤبلة تناتج لا يمسها أحد، حتى إذا كان زمان عثمان بن عفان أمر بتعريفها ثم تباع، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها)[20].

فعمر بن الخطاب أجاز إمساك وإيواء ضالة الإبل بشرط تعريفها ثلاثاً، ثم إطلاقها إذا لم يتعرف عليها أحد، أما عثمان بن عفان فقد أمر بإمساكها وبيعها، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها، فهل في فعل الخليفتين مخالفة السنة؟، قد يحسب ذلك بعض ممن لا يفرقون بين السنن الماضية وما انبنت عليه، وبين مواقف يتخذها النبي صلى الله عليه وسلم استناداً إلى القواعد التشريعية في دائرة الوجود الاجتماعي.

والمدقق يرى أن (تكاثر ضوال الإبل في ولاية عمر يعود إلى انتقال قبائل برمتها من الحجاز ونجد إلى العراق وخراسان والشام ومصر، وامتداد سلطان المسلمين خارج الجزيرة وتخلف أعداد من الإبل في أحيائها القديمة)[21] ، ولعل الناس قد خف الوازع لديهم، وكما يقال المال السائب يعلم السرقة، فأجاز عمر إمساكها وتعريفها ثلاثاً.

ثم (رأى الخليفة عثمان أن ترك الإبل طليقة يحول دون الانتفاع بها بعد أن تكاثر عددها في عهد عمر بن الخطاب وأصبحت كما روى ابن شهاب "إبلاً مؤبلة تناتج لا يمسها أحد" أي تتوالد دون أن يعرف لها مالك، لذلك أمر عثمان ببيعها والاستفادة من أثمانها في تنمية ثروة المسلمين، بدلاً من تركها تتوالد وتموت دون أن ينتفع بها أحد، ولو تمسك بظاهر النهي عن التقاط الإبل لخالف سنة رسول الله لتضييعه أموال المسلمين وثرواتهم) [22]، وعليه (فمن وجد بعيراً ضالاً فيما لا يقدر فيه على الورود ولا على الرعي، وأخذه قصداً إلى حفظه على ربه فهو مطيع لله في فعله؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عن أخذ مثل هذا)[23]، ويؤيد خميس بن سعيد الشقصي هذا الرأي بقوله: (ولا يبعد أن يكون هذا البعير في معنى ضالة الغنم ونحوها، وقال عمر: "من آوى الضالة فهو ضال ما لم يعرفها" فهذا يدل على أنه إذا عرفها وحبسها على ربها كان مأجوراً)[24].

ويعلل ابن بركة هذا التوجه بقوله: (فإن قال قائل: لم أجزت أخذه والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يأوي الضالة إلا ضال" وقال عليه السلام: " ضالة المؤمن حرق النار"، والظاهر يمنع من أخذه؟.

قيل له: إنما هذا الوعيد لمن فعل ما قد نُهي عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأما من تقرب إلى الله تعالى بأخذ البعير وحفظه على ربه في حال كان فيها لو تركه لتلف، وليس معه شرطه الذي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أخذه لأجله، وإذا كان هذا هكذا كان مطيعاً في فعله لقول الله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) .

وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "من آوى الضالة فهو ضال ما لم يعرفها" فهذا يدل على أنه إذا عرفها فحبسها على ربها كان مأجوراً.

وروى أصحاب الحديث من مخالفينا عن الزهري أنه قال:"كانت الإبل أيام عمر بن الخطاب مؤبلة تناتج لا يمسكها أحد، حتى كان أيام عثمان فأمر ببيعها بعد تعريفها، فإن جاء لها رب دفع إليه ثمنها)[25]. وماذا عسانا أن نقول في زماننا هذا الذي صارت فيه ضوال الإبل تهدد أرواح البشر في الطرقات؟! إن إمساكها هو الوجه المعتبر في هذا الوقت حفاظاً على أرواح الناس وممتلكاتهم، وهو التطبيق الصحيح للسنة النبوية.

أما مدة تعريف اللقطة؛ فجاءت الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحديد السنة والسنتين، ولا يخفى على المتأمل أن البعد الاجتماعي متداخل في هذه القضية مع الجوانب التشريعية، فتحديد مدة التعريف يرتبط أساساً بطبيعة وسائط النقل والاتصال اللازمة للتعريف، ونعرف أن تلك الوسائط تتطور بفعل حركة الحياة، وقد انتبه الفقهاء المحققون باستمرار لهذه الظاهرة؛ فأبو المؤثر الصلت بن خميس الخروصي يقول بأن اللقطة (تُعرَّف على قدرها)[26] وأبو سعيد الكدمي يرى أن (ما قيمته ثلاثة دراهم فصاعداً عُرِّف سنة، والدرهمان شهرين، والدرهم شهراً)[27].

المثال الثاني:

روى الإمام الربيع (592): أبو عبيدة عن جابر عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عام سَنَة ـ وإنما سُمِي عام سَنَة لشدة غلائها ـ أن يُسَعِّرَ عليهم الأسواق فامتنع؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (القابض الباسط هو المُسَعِّرُ، ولكن سلوا الله).

وعند أبي داود (3451) عن أنس قال: قال الناس: يا رسول الله غلا السعر فسَعِّر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو المُسَعِّر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال). والحديث رواه أيضاً ابن ماجه (2200) والترمذي (1314) وابن حبان وآخرون.

وروى مالك في الموطأ (1328) عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب مر بحاطب بن أبي بلتعة وهو يبيع زبيباً له بالسوق، فقال له عمر بن الخطاب: (إما ان تزيد في السعر وإما أن ترفع من سوقنا).

وقال البيهقي في السنن الكبرى (10929) (وهذا فيما كتب إليَّ أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفرائيني أن أبا عوانة أخبرهم قال ثنا المزني ثنا الشافعي عن الدراوردي عن داود بن صالح التمار عن القاسم بن محمد عن عمر رضي الله عنه أنه مر بحاطب بسوق المصلى وبين يديه غرارتان فيهما زبيبن فسأله عن سعرهما. فسعر له مدين لكل درهم، فقال له عمر رضي الله عنه: قد حدثت بعير مقبلة من الطائف تحمل زبيباً وهم يعتبرون بسعرك، فإما أن ترفع في السعر وإما أن تدخل زبيبك البيت فتبيعه كيف شئت.

فلما رجع عمر حاسب نفسه ثم أتى حاطباً في داره، فقال له: " إن الذي قلت ليس بعزمة مني ولا قضاء، إنما هو شيء أردت به الخير لأهل البلد، فحيث شئت فبع، وكيف شئت فبع").

فالظاهر أن عمر بن الخطاب لم يكن يرى في التسعير إلا أمراً يدور مع تحقيق مصلحة البائع والمشتري ويرفع الظلم والضرر عنهم ولا يقتضي حالة واحدة يلزمها.

قال ابن بركة بعد أن استدل بالحديث السابق في منع تسعير السلع (ولكن إذا بلغ الناس حال الضرورة من الحاجة إلى الطعام على ما في أيديهم واستغنائهم عنه مع سوء حال الناس والشدة جاز للإمام أن يأخذ أصحاب الطعام ببيع ما في أيديهم بالثمن الذي يكون عدلاً من قيمته ويجبرهم على ذلك، فإن قال قائل: فَلِمَ منعتم التسعير للإمام وقد جوزتموه؟ قيل له: جوزناه في حال الضرورة، وغيرها، وعلى الإمام أن يمنع أهل الأسواق عن الغش؛ لأن في ذلك ظلماً من بعضهم لبعض، وكذلك يمنعهم من كتمان العيوب التي يغش بها المتاع)[28].

(
وقال الشيخ أحمد بن محمد بن بكر: يجوز لقاض أو جماعة أن يسعروا على قدر نظرهم، وما رأوه أصلح على الثمن أو على المثمن، وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم أنه سئل أن يسعر لهم فامتنع، فقال: "إني لأرجو أن لا ألقى الله بمال مسلم" فمن منع التسعير حمل الحديث على التحريم، ومن أجاز حمله على التنزه والحوطة، كما يقول الإنسان: "لا أقضي بين الناس لئلا أظلم أجداً في مال أو نفس" أو يقول: "لا أبيع ولا أشتري لئلا آكل أموال الناس، أو لئلا أربي".

وقال ابن بركة بعد أن ذكر الحديث الأول: فلا يجوز لهذا الخبر أن يسعر أحد على الناس أموالهم أو يجبرهم على بيعها بغير طيب نفوسهم من إمام ولا غيره، ولكن إذا بلغ الناس حال الضرورة من الحاجة إلى الطعام وعزم أصحاب الطعام ببيع ما في أيديهم جاز للإمام أخذ أصحاب الطعام ببيع ما في أيديهم بالثمن الذي يكون عدلاً في قيمته، فيجوز التسعير في حال الضرورة لا غير اهـ. وقيل: يجوز التسعير بلا ضرورة وهو القول الأول الذي ذكرته عن الشيخ أحمد)[29].

قال صاحب متن النيل وشفاء العليل عبدالعزيز الثميني: (وجاز لأهل سوق مشهور وما حوله من منازل رد أسعار منازلهم لسعره) وعلل الشارح محمد بن يوسف اطفيش هذا الرأي بقوله: (لئلا يقع اللبس على الناس في السعر فيتوهم الإنسان أنه يبيع له البائع على سعر ذلك السوق مع أنه باع له على غير سعره فيبيعون في منازلهم على سعر البيع في السوق)[30].

من كل هذه النصوص المأثورة عن العلماء ابتداء بعمر بن الخطاب وانتهاء بالعلماء المتأخرين يتبين أنهم عولوا على:

-
أن القضية برمتها في دائرة الوجود الاجتماعي المرتبطة بحياة الناس اليومية فيما يتمونون به من سلع وبضائع، فهي تمثل العلاقة المتبادلة بين ثلاثية: المنتج والموزع والمستهلك، وهذه العلاقة عند سبر نصوص الكتاب والسنة الماضية تقوم على رفع الضرر والظلم وتحقيق المصلحة (والأصل فى العقود جميعها هو العدل، فإنه بعثت به الرسل وأنزلت الكتب قال تعالى "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط"، والقرآن نهى عن الربا لما فيه من الظلم، وعن الميسر لما فيه من الظلم، وكلاهما أكل للمال بالباطل، وما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من المعاملات كبيع الغرر وبيع الثمر قبل بدو صلاحه وبيع السنين وبيع المزابنة والمحاقلة ونحو ذلك هي داخلة إما فى الربا وإما في الميسر)[31]، فالواقعة المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم تحقيق لهذه المبادئ العظيمة، فلذا قال صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه: (وإني لأرجو أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال).

===================================

[1] كتاب الجامع ج1 ص 280، محمد بن عبدالله بن بركة.
[2]
كتاب الترتيب، مسند الربيع (125).
[3]
كتاب الترتيب، مسند الربيع (168).
[4]
المدونة الصغرى ج1 ص 135، بشر بن غانم الخراساني.
[5]
المرجع السابق ج1 ص 25.
[6]
المرجع السابق ج1 ص 129.
[7]
المرجع السابق ج1 ص 70.
[8]
المرجع السابق ج2 ص 53.
[9]
المرجع السابق ج2 ص 129.
[10]
المرجع السابق ج1 ص 155.
[11]
المرجع السابق ج2 ص 164 ـ 165.
[12]
الديوان المعروض (رسالة الشيخ أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة في الزكاة ص2).
[13]
البخاري (3375 ) مسلم (2493).
[14]
سنن الترمذي ج3 ص433.
[15]
المدونة الصغرى ج1 ص 31، بشر بن غانم الخراساني.
[16]
المرجع السابق ج1 ص 32.
[17]
انظر أيضاً أحمد بن علي الرازي الجصاص "الفصول في الأصول" ج3 ص 239 ـ 244.
[18]
البخاري (105)، مسلم (1218)، السنن الكبرى للنسائي (11213)، أبو داود (1905) وآخرون.
[19]
الموطأ (1447)، انظر أيضاً الديوان المعروض (من قول قتادة ج4 ص 13).
[20]
المرجع السابق (1449).
[21]
إعمال العقل ص 160، لؤي صافي (بتصرف بسيط).
[22]
المرجع السابق ص 160، (بتصرف بسيط).
[23]
التاج المنظوم ج 7 ص 128، عبدالعزيز الثميني.
[24]
المرجع السابق ج 7 ص 129.
[25]
كتاب الجامع ج1 ص 239، عبدالله بن محمد بن بركة. بيان الشرع ج 64 ص 318، محمد بن إبراهيم الكندي ( بتصرف).
[26]
التاج المنظوم ج 7 ص 119، عبدالعزيز الثميني.
[27]
المرجع السابق ج7 ص 119.
[28]
كتاب الجامع ج2 ص 604 ـ 605، بن عبدالله محمد بن بركة.
[29]
شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 13 ص 663، محمد بن يوسف اطفيش.
[30]
المرجع السابق ج 13 ص 663 ـ 664.
[31]
كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في الفقه ج20 ص510 (بتصرف بسيط)، أحمد بن عبدالحليم بن تيمية.

 

 
 
 

 

Google

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تقتضي ذكر المصدر عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع