السنة والحديث -1
علم مصطلح الحديث من العلوم التي راجت في العالم
الإسلامي قديماً وحديثاً، وقد قام
المحدثون من أهل السنة بتشييد دعائمه وتقعيد
نظرياته، ومن الملاحظة السريعة يتبين
أن كثيراً من المدارس الإسلامية الأخرى كالإباضية
والمعتزلة والشيعة والزيدية لم
تدون آراؤها في مصنفات هذا العلم لأسباب سياسية،
لكن في المقابل يرى بعض الباحثين
أن بعض هذه المدارس لم تعتن مع مرور الزمن ببناء
نظرياتها الخاصة بها في التعامل مع
الرواية الحديثية، بل أخذت تستورد النظريات من علم
المصطلح دون الانتباه إلى طبيعة
الحقل المعرفي الذي نشأت فيه، ويرجع ذلك إلى أمور
منها:
-كثافة
الانتشار الذي
حققته النظريات الحديثية التي شيدها المحدثون، بفعل
الدعم السياسي لها من قبل
السلطات الحاكمة عبر التاريخ (=الأموية، العباسية،
العثمانية).
-العجز
السياسي
والعلمي للمدارس الإسلامية الأخرى، التي أقصيت من
الساحة السياسية بدعوى أنها من
الفرق المبتدعة.
وهذا العلم نما وترعرع بجهود عدد من كبار المنظرين
كشعبة بن الحجاج (ت 160هـ)،
ومالك بن أنس (ت 179هـ)، وسفيان الثوري (ت 161هـ)،
ويحيى بن سعيد القطان (ت 198هـ)،
وعبدالرحمن بن مهدي (ت 198هـ)، وأحمد بن حنبل (ت
242هـ) الذي يعد من أكبر المنظرين
لهذه المدرسة، ويحيى بن معين (ت 233هـ)، وعلي بن
المديني (ت 234هـ)، ومحمد بن
إسماعيل البخاري (ت 256هـ)، وأبو زرعة الرازي (ت
264هـ)، ومحمد بن يحيى الذهلي (ت
258هـ)،
ومسلم بن الحجاج (ت 261هـ)، وأبو داود السجستاني (ت 275هـ)، ومحمد
بن عيسى
الترمذي (ت 279هـ) وغيرهم، وهؤلاء لهج المحدثون
الذين جاءوا من بعد بمصطلحاتهم،
وتحددت معالم المنهج الحديثي بما قدموه بما لا
مبتغى بعده، بل إن مصطلحاتهم غلبت
على أصولها اللغوية حتى كادت تنسى عند أهل هذا الفن[1].
بل وحتى
المدارس الفقهية في المحيط السني القائمة على
التعويل على الطرائق الكلية في
الاجتهاد والاستنباط لم تستطع الصمود طويلاً، ويبدو
للمتتبع أنها كانت تمثل الطريقة
الأصيلة عند عموم فقهاء الصحابة والتابعين ومن جاء
بعدهم، لكنها ولعوامل كثيرة ظلت
تنكمش وتتتقلص لحساب النظرة الجزئية القائمة على
النظر في نصوص مفردة ومجتزئة، وعزز
هذه النزعة المبالغة في طلب الروايات والأحاديث
التي تم تدوينها في القرنين الثالث
والرابع، (وفي وجه هذا التطور برز المحدثون لتدوين
الحديث والتحقق من سنده لتمييز
صحيحه من سقيمه، ودونت كتب الصحاح والسنن والمساند
في أسفار ضخمة غطت كل موضوع
ومسألة، وانقسم الفقهاء بين مؤثر لاتباع النصوص،
وراغب في تأصيل الأصول وتقعيد
القواعد واعتماد الكليات في مسالك الاجتهاد)[2]،
فدونت من بعد كتب
القواعد الفقهية والأشباه والنظائر ككتاب قواعد
الأحكام لابن عبدالسلام والفروق
للقرافي والموافقات للشاطبي وغيرها، وحاول الكثير
من الفقهاء اتخاذ طريقة وسطاً بين
القواعد الفقهية والقواعد الأصولية (=اللغوية)، لكن
بمرور الزمن لم يستطع الفقهاء
القواعديون الصمود طويلاً أمام الهجمة الشرسة
للنصوصيين من المحدثين، الذين ظلوا
يجلدونهم باستمرار بسياط دعاوى التنكر للنصوص،
والمقصود بالذات نصوص الأحاديث
والروايات الآحادية التي دونت في مصنفات الحديث.
المدرسة الجابرية
ناقشنا في حلقات نشرت في
العام الماضي بعضاً من القواعد التي ذكرها علماء
المدرسة الجابرية في مصنفاتهم، أو
تلك التي تعلم باستقراء النصوص والأحكام المأثورة
عنهم، لكن بعض القراء الكرام أساء
فهم ما كتبته واعترض عليها بأمور منها:
1.
أن تلك المقالات مجدت المدرسة
الجابرية (=المدرسة الإباضية الأولى) وهمشت أو ألغت
التاريخ الفقهي الإباضي اللاحق.
2.
أن تلك المقالات روجت لآراء فقهية ترك العمل بها في
العصور المتأخرة.
وعلى كل حال أنا أرحب بالملاحظات والطرح المتعدد
حتى تنضج الأفكار وتصل إلى
مرحلة متقدمة من الرقي والتطور، أما عن هاتين
الملاحظتين، فأقول معقباً:
1.
ما كتبته هو إبراز لمزايا لمدرسة تعد المحضن
والمنشأ الأول للمدرسة الفقهية
الإباضية، ولا أذكر أنني بهذا قد همشت من أي دور من
أدوار الفقه الإباضي عبر تاريخه
الطويل، والمدارس الفقهية الإباضية قد مرت بأدوار
وأطوار متعددة، ويقسمها بعض
الباحثين المتخصصين إلى[3]:
-
المدرسة الجابرية
-المدرسة
المحبوبية
-المدرسة
الرستاقية
-المدرسة
النزوانية
-المدرسة
الشقصية
-المدرسة
البونبهانية
-المدرسة
السالمية
-المدرسة
الخليلية
وكل
مدرسة من هذه المدارس تميزت بخصائص ومميزات ميزتها
عن غيرها في إطار المرجعية
العليا للمذهب الإباضي، فإبراز الخصائص المميزة لكل
مدرسة من هذه المدارس لا يعد
هضماً أو انتقاصاً من قدر المدارس الأخرى.
2.
وكذلك الحال في الاستفادة من
آراء قد أهملت أو أهيل عليها التراب في العصور
المتأخرة، فإنه ليس بمستغرب، ففي
دائرة الوجود الإنساني والاجتماعي لا بد من
الاستفادة من كافة التجارب والآراء، فقد
تكون هناك من الآراء لدى المتقدمين تركت ثم دعت
الحاجة لإحيائها من جديد، فليست
القضية حفاظاً على آراء معينة بقدر ما هي تسيير
لحركة الحياة (وأما ما ينفع الناس
فيمكث في الأرض).
ولهذه الأسباب ولكون المدرسة الجابرية هي المنشأ
والمحضن
الأول للفكر الإباضي آثرنا الاستفادة من تراثها
الفقهي في بناء نظرية حديثية
متكاملة، وسنحاول خلال هذا المسلسل دراسة بعض من
جوانب هذه النظرية.
السنة والحديث
درج
المتأخرون من الفقهاء والمحدثين على المرادفة بين
السنة والحديث؛ بإعطائهما تعريفاً
واحداً هو (ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم)[4]،
ويشمل هذا (قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره وصفته)[5].
وقد
انتقد بعض المعاصرين هذا التعريف ومنهم محمد رشيد
رضا، حيث يرى أن سنته صلى الله
عليه وسلم (التي يجب أن تكون أصل القدوة هي ما كان
عليه هو وخاصة أصحابه عملاً
وسيرة فلا تتوقف على الأحاديث القولية)[6]،
وعاب على الفقهاء المتأخرين
(جعلهم
الأحاديث القولية من السنن، وهو اصطلاح للعلماء توسعوا فيه
بمعنىالسنة،
فجعلوها أعم مما كان يريده الصحابة من هذا اللفظ،
وهي الطريقة المتبعة التي جرى
عليها العمل)[7]،
(ومن
العجائب أن يغبى بعض المحدثين أحياناً عن الفرق
بين السنة والحديث في عرف الصحابة الموافق لأصل
اللغة؛ فيحملوا السنة على اصطلاحهم
الذي أحدثوه بعد ذلك)[8].
وقد نقل هذا التفريق عن بعض قدامى
المحدثين ، قال عبدالرحمن بن مهدي: (سفيان الثوري
إمام في الحديث وليس بإمام في
السنة، والأوزاعي إمام في السنة، وليس بإمام في
الحديث، ومالك إمام فيهما
جميعاً)[9]
ومعنى هذه العبارة أن سفيان الثوري عند عبدالرحمن
بن مهدي هو
الأعلم بالطريقة المتبعة والسنن الماضية للنبي صلى
الله عليه وسلم، والأوزاعي هو
الأعلم بالحديث، أي بالروايات التي تصف حوادث
متفرقة من حياته صلى الله عليه وسلم
وتعامله معها، أما مالك فهو عالم بالسنة والحديث،
أي عالم بالسنن الماضية والطريقة
المتبعة للنبي صلى الله عليه وسلم، وعالم بالحديث
أي بالروايات والأخبار المتفرقة
التي تصف أحداثاً ووقائع في عهد النبي صلى الله
عليه وسلم.
فالسنة تحمل
معاني الاضطراد لما فيها من جريان الأحكام، وهو
المعنى المتفق مع المعنى اللغوي
للسنة، فالفعل "سَنَّ" يحمل معنى الاستمرارية،
ويعني العمل المتواصل، ولهذا
فالتعبيران "سننت الماء على وجهي وسننت التراب على
وجه الأرض" يعني: ظللت أصب الماء
على وجهي، واستمر الغبار يسقط على وجه الأرض، قال
ابن الأعرابي: (السن مصدر سنَّ
الحديد سَناً، وسن للقوم سُنَّة وسَنَنَّاً، وسَنَّ
الإبل يسنها سناً إذا أحسن
رِعيتها، حتى كأنه صقلها، وسَنَّنَ المنطق حسنه،
فكأنه صقله)[10].
فسنة النبي صلى الله عليه وسلم تحمل هذه المعاني
اللغوية، فهي الطريقة
المتبعة التي تصقل الحياة الإنسانية، لذا كان
الصحيح من الأحاديث ما (أيده العمل أو
وقع عليه الإجماع)[11]
دون ما كان منسوخاً أو استقر عمل المسلمين على
خلافه أو كان مخالفاً للسنن الماضية.
والسنة في التعبير القرآني في نسبتها
للخلق الإلهي تقتضي الثبات والاطراد في خصوصية
الزمان والمكان
(سُنَّةَ
مَن
قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ
تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً)
(سُنَّةَ
اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ
الله تَبْدِيلاً)
ولكن عند دلالة السنن المنسوبة إلى الفعل الإنساني
نجد أن
السنة استبدلت بسنن متعددة (=بشرية)، كلها تصب في
معاني التفاعل الإنساني مع حركة
الكون والحياة خيراً كانت أو شراً، وهو الحراك
الاجتماعي.
(
قد خلت من
قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كان عاقبة
المكذبين)
(يريد
الله ليبين
لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله
عليم حكيم) وهذا مدخل مهم
ومعايير قرآنية لفهم السنة والحديث في ضوء الدلالات
القرآنية الكلية.
فإذن
الأحاديث لا تخرج في طبيعتها عن هذين الإطارين:
-
القوانين الإلهية في كتاب
الله تعالى، بالتشريع النبوي داخل القواعد والمقاصد
الكلية للكتاب العزيز، بتطبيق
أحكامه وبيان معانيه ودلالاته.
-
القوانين الكونية والاجتماعية: وهذه أيضاً
تطبيق للقواعد والمقاصد القرآنية في واقع الحياة
المتغير، وهذا البعد لابد من
إدراكه لدى الفقيه في تعامله مع الأحاديث، إذ إن
إدراك هذا البعد الزمني الذي ورد
في النص المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفق
مقاصد الشريعة وقواعدها الكلية
هو الذي يضمن عملية التفريق الدقيق بين التشريع
النبوي وبين تطبيقات النبي صلى الله
عليه وسلم للنصوص وفق حركة المجتمع والحياة[12].
السنة في اصطلاح المدرسة الجابرية
وردت نصوص
كثيرة عن أئمة وعلماء المدرسة الجابرية في معنى
(السنة)، لنقرأها ونحاول أن نخرج
بنتيجة من خلال استقرائها:
1.
روى الإمام أفلح عن الحسن بن أبي الحسن قال:
مضت السنة أن يقصر المسافرون في بلد أقاموا فيه،
وإن أقاما فيه عشر سنين ما لم
يتخذوه وطناً.[13]
2.أبو
عبيدة عن جابر بن زيد قال: الوتر
والرجم والاختتان والاستنجاء سنن واجبات، فأما
الوتر فلقول النبي صلى الله عليه
وسلم لأصحابه: (إن الله زادكم صلاة سادسة خير لكم
من حمر النعم وهي
الوتر)[14].
3.
قلت (=أبو غانم الخراساني): فإن قدم شيئاً قبل
شيء؟. قال الربيع: لا، إلا أن يتابع وضوءه كما جاءت
به السنة[15].
4.
قال
أبو المؤرج وابن عبدالعزيز: (السنة في المغرب أن
يجهر الإمام بالقراءة في الركعتين
الأوليين)[16].
5.
قال (= أبو المؤرج): (ومما يؤمر به الرجل في
السنة عشر خصال: خمس في الرأس، وخمس في الجسد، فأما
اللواتي في الرأس: فالمضمضة
والاستنشاق وقص الشارب وفرق الرأس والسواك، وأما
اللواتي في الجسد: فتقليم الأظافر
ونتف الإبطين وحلق العانة والاختتان والاستنجاء
بالماء)[17].
6.
قال أبو غانم في المدونة: (حدثني أبو المؤرج عن أبي
عبيدة رفع الحديث إلى عمر بن
الخطاب رضي الله عنه أنه إذا قام إلى الصلاة قال:
سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك
وتعالى جدك ولا إله غيرك. ثم يتعوذ من الشيطان
الرجيم ويكبر)[18].
7.(قال
أبو سعيد عبدالله بن عبدالعزيز سألت أبا عبيدة عن رجل أكل أو شرب
أو
جامع ناسياً صومه في رمضان. قال سألت أبا الشعثاء
جابر بن زيد عن ذلك فقال: لا قضاء
عليه. ثم قال عبدالله بن عبدالعزيز: مضت السنة
وأجمعت الأمة بهذا الحديث عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أطعمه الله
وسقاه")[19].
8. (السنة
المجتمع عليها في الصوم أن يدع الصائم الطعام والشراب والرفث كله
لله
نهاراً)[20].
9. (والسنة
عندنا أن الله أحل الميتة والدم ولحم الخنـزير لمن
اضطر إليها وخاف على نفسه، وليس قتل النفس من
التقرّب إلى الله، وقد قال الله "وَلا
تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ
بِكُمْ رَحِيماً* وَمَنْ يَفْعَلْ
ذَلِكَ عُدْوَاناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ
نَاراً
" )[21].
10. (والسنة
على من أفطر في رمضان عدة من أيام أخر)[22].
11. (والسنة
المجتمع عليها أن الحائض لا صوم لها وعليها عدة من أيام
أخر)[23].
12. (والسنة
المجتمع عليها أن الشمس إذا غابت فقد ذهب
النهار وجاء الليل، والسنة أن الصوم بالنهار وليس
بالليل)[24].
13. (وسن
رسول الله صلى الله عليه وسلم سنن الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها
وتشهدها)
[25].
14. (وسن
رسول الله صلى الله عليه وسلم المضمضة
والاستنشاق)
[26].
15. (وسن
رسول الله صلى الله عليه وسلم
الاستنجاء)
[27].
16. (فريضة
الزكاة من التنزيل، مقرونة
بالصلاة، ثم فسرت السنة كيف كان قسمها)[28].
17. (وزكاة
الفطر
يؤديها من كان له ما يقوته سنة، وهي سنة، الأخذ بها
فضيلة، وتركها ليس بخطيئة،
والسنة سنتان:
أ- سنة في غير فريضة، الأخذ بها فضيلة وتركها ليس
بخطيئة.
ب- وسنة في فريضة، الأخذ بها هدى وتركها ضلال)
[29].
18. (والسنة
المجتمع عليها لا يغط الرجل رأسه)
[30].
19. (وإنما
يقطع يده اليمنى، وهذا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والسنة أن يقطع من أخرج من الحرز؛ ولا يقطع إلا
بإقرار أو بشاهدين عدلين)
[31].
20. (ذكر
الله الأذان ذكراً ولم يأمر به، أجمع الناس أنه
من سنة رسول الله عليه السلام، واختلفوا فيه،
وقولنا الذي نأخذ به: الأذان مثنى
مثنى، والإقامة كذلك، وهما من سنة رسول الله عليه
السلام)[32].
21.
قال أبو غانم في المدونة نقلاً عن أبي المؤرج:
(وجاء في السنة عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله زادني صلاة
وهي الوتر، فصلوها ما بين صلاة
العشاء وهي العتمة إلى انشقاق الفجر)[33].
قال أبو غانم في
المدونة: (قال أبو المؤرج: أخبرني أبو عبيدة: أن
السنة مضت في الشياه أن يؤخذ من كل
الأربعين من الشياه شاة إلى عشرين ومائة، ليس فيها
إلا واحدة)[34].
22.
قال أبو غانم نقلاً عن أبي المؤرج: (لأن السنة عن
النبي عليه السلام
على المدَّعي البينة والمنكر اليمين، والبائع الآن
هو المنكر عليه اليمين، فلست أن
أحطها منه وأحولها إلى غيره ممن لم يجعلها عليه
النبي عليه السلام)[35].
23.
قال أبوغانم في المدونة عن أبي المؤرج: (قال: نعم،
قد جاء ما ذكرت
وأخبرت السنة أن الزانية والزاني اللذين أمر الله
بإقامة الحدود عليهما هو الذي
يولج كولوج المرود في المكحلة)[36].
24.
جاء في آثار الربيع:
(الربيع
عن ضمام أنه قال: أتيت أبا الشعثاء يوم الجمعة، فلما حضره الرواح
قال لي:
قم حتى ننطلق إلى الجمعة.
فقلت: أخلف الحجاج؟
قال: نعم؛ فإنها صلاة
جامعة وسنة متبعة)[37].
25.
جاء في الديوان المعروض: (وعن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه أنه أجاز شهادة رجل على
الهلال.
وبلغنا عن عائشة
رضي الله عنها أنها قالت: فطركم يوم تفطرون وأضحاكم
يوم تضحون.
وكان عمر بن
عبدالعزيز يقبل شهادة رجل واحد على الصوم، ولا يقبل
على الفطر إلا شهادة رجلين.
والسنة في هذا ما تثبت به الأشياء)[38].
من كل هذا الحشد من النصوص
يتبين لنا:
-
أن مصطلح السنة عبر به عن المفردات التالية:
(قصر
الصلاة في السفر- صلاة الوتر-تتابع غسل الأعضاء في
الوضوء- جهر الإمام بالقراءة في
الركعتين الأوليين من المغرب-القيام والركوع
والسجود والتشهد في الصلاة-المضمضة
والاستنشاق في الوضوء- الاستنجاء-السواك-نتف
الإبط-الرجم-عدم تغطية الرأس
للمحرم-قطع اليد اليمنى في السرقة-الأذان والإقامة-
في زكاة الشياه أن يؤخذ من كل
الأربعين من الشياه شاة إلى عشرين ومائة-صلاة
الجمعة-البينة على من ادعى واليمين
على من أنكر- الزانية والزاني اللذين أمر الله
بإقامة الحدود عليهما هو الذي يولج
كولوج المرود في المكحلة-السنة في حديث "أطعمه الله
وسقاه").
-
وهذه
المفردات عند تأملها يتبين أنها: سنن مورست عملياً
ومثلت المقدار المتفق عليه بين
المسلمين أوبعبارة ابن بركة ما (أيده العمل أو وقع
عليه الإجماع)[39]
وهذا هو معنى قول الإمام جابر عن صلاة الجمعة بأنها
(سنة متبعة)، ومعنى قولهم
كثيراً (السنة المجتمع عليها).
-
وفي أحيان أخرى يعبر بالسنة عن دلالات
قرآنية مورست عملياً في تشريع النبي صلى الله عليه
وسلم، أمثلة (9، 10).
-
وأحياناً يعبر بالسنة عن المعاني الثاوية في مجموع
النصوص الثابتة في الكتاب
والسنة، والتي تستخلص من خلال النظر، مثال (25).
وفي الحلقة القادمة
سنتعرض إن شاء الله تعالى لمصطلحات الرواية والحديث
وعلاقتها بالسنة.
=============================
[1]
المنهج المقترح لفهم المصطلح ص 56 ـ 58، حاتم بن
عارف العوني.
[2]
إعمال
العقل ص 165، لؤي صافي.
[3]
هذا التقسيم بالنسبة إلى إباضية المشرق، وهو للشيخ
أحمد بن سعود السيابي.
[4]
شرح شرح نخبة الفكر ص 153، ملا علي القارئ.
[5]
المرجع السابق ص 153.
[6]
مجلة المنار، المجلد 10 ص 852.
[7]
المرجع
السابق، المجلد 10 ص 852.
[8]
المرجع السابق، المجلد 10 ص 853.
[9]
حلية
الأولياء ج6 ص 332، أبو نعيم الأصبهاني.
[10]
لسان العرب ج13 ص 223، ابن منظور.
[11]
كتاب الجامع ج1 ص 280، محمد بن عبدالله بن بركة.
[12]
انظر أيضاً أحمد
بن علي الرازي الجصاص "الفصول في الأصول" ج3 ص 239
ـ 244.
[13]
كتاب الترتيب،
روايات الإمام أفلح (16).
[14]
كتاب الترتيب، مسند الربيع (195).
[15]
المدونة الصغرى ج1 ص 15، بشر بن غانم الخراساني.
[16]
المرجع السابق ج1 ص 46.
[17]
المرجع السابق ج1 ص 69 ـ 70.
[18]
المرجع السابق ج1 ص 25.
[19]
الديوان المعروض، كتاب الصيام ص 7 . يقول عمرو
النامي في دراسات عن الإباضية ص 137:
(كتاب
الصيام، وهو يبدأ بروايات أبي المؤرج عن شيخه أبي عبيدة على شكل
أسئلة
وأجوبة، وبعد العنوان التالي "باب اختلاف العلماء
في الصيام" ترد آراء مختلف
العلماء حول الموضوع، منوهة بالآراء التي يعتمدها
الأئمة الإباضيون، لا سيما أبو
عبيدة).
[20]
المرجع السابق ص 40.
[21]
المرجع السابق ص 43.
[22]
المرجع السابق ص 49.
[23]
المرجع السابق ص 83.
[24]
المرجع السابق ص 72.
[25]
أصول الدينونة الصافية ص91، عمروس بن فتح.
[26]
المرجع السابق ص 92.
[27]
المرجع السابق ص 93.
[28]
المرجع السابق ص 95 ـ 96.
[29]
المرجع
السابق ص 102.
[30]
المرجع السابق ص 110. (هذا الكلام في الإحرام).
[31]
المرجع السابق ص 128.
[32]
المرجع السابق ص 156.
[33]
المدونة الصغرى ج1 ص
62،
بشر بن غانم الخراساني.
[34]
المرجع السابق ج1 ص 156.
[35]
المرجع
السابق ج2 ص 164 ـ 165.
[36]
المرجع السابق ج2 ص 74.
[37]
آثار الربيع ج1 ص
46،
عبدالملك بن صفرة.
[38]
الديوان المعروض، كتاب الصيام ص 67.
[39]
كتاب
الجامع ج1 ص 280، محمد بن عبدالله بن بركة.