سبق إلى
أذهان أكثر الناس – بسبب خطأ المؤرخين في ربط الأحداث
– أن المحكمة الذين قتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب في وقعة النهروان هم أصل الخوارج وهو مفهوم خاطئ
، فإن المحكمة قد قتلوا في النهر ولم ينج منهم إلا
تسعة أفراد ثم ثار على الحكم الأموي طوائف كثيرة من
الناس جماعات وأفرادا حتى ظهر الخوارج في أواخر ولاية
ابن زياد سنة 64 بقيادة نافع بن الأزرق .
فمعركة
النهروان هي فتنة بين الصحابة وقعت بين الإمام علي بن
أبي طالب والمحكمة . أما الخروج فنوعان :
خروج
سياسي كخروج الحسين وابن الزبير وبلال والمختار
وسليمان بن حرد وغيرهم .
وخروج
سياسي ديني وهو الخروج الذي ابتدأه نافع بن الأزرق
وسار عليه الخوارج من بعده .
وإن شئت
مزيدا من الإيضاح فاقرأ الفصل الآتي :
الفرق
بين الفتنة والخروج
من
معاني كلمة الفتنة : اختلاف الناس في الآراء وما يقع
بينهم – بسبب ذلك – من النزاع والقتال ، وقد وقعت في
صدر الإسلام مجموعة من الخلافات بين الصحابة أدت إلى
نزاع وقتل وقتال فسميت فتنا وفي الإمكان أن نحصرها
فيما يلي :
فتنة
الدار .
فتنة
الجمل .
فتنة
صفين .
فتنة
النهروان .
فكانت
أولى الفتن بين الصحابة هي فتنة الدار وذلك أنه في
السنوات الأخيرة من خلافة أمير المؤمنين عثمان انتقد
عليه بعض الناس أنواعا من السلوك والتصرف اعتقدوا أنه
لا يجوز له ، فلما أبلغوه انتقادهم اعتذر عن بعضه
واستغفر ، وأجاب عن بعضه بأنه من حقه – وهو الإمام –
أن يفعله ووقع بينه وبين المعارضين خلاف في عدد من
المسائل واشتد الخلاف حتى طلبوا منه أن يستقيل فلم
يقبل منهم ولم يستجب لهم فوثبت عليه جماعة منهم فقتلوه
ودافع عنه جماعة من المسلمين واعتزلت عنهم جماعة أخرى
. وسميت هذه الحركة فتنة الدار وكانت أول فتنة وقعت
بين المسلمين .
ثم بايع
أكثر الناس لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب واعتزله
آخرون وقام عليه جماعة ممن بايعوه وأدت الحركة كلها
إلى حروب يوم الجمل فقتل هنالك ثمانية عشر ألفا ( على
رواية المسعودي في مروج الذهب ) وسميت هذه الحركة
بفتنة الجمل وكانت ثاني فتنة وقعت بين المسلمين .
وعندما
تمت البيعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعث يعزل
العمال السابقين ومن ضمنهم معاوية ، فلم يستجب للعزل
وتعلل بدم عثمان ، أو على الأقل بالرضاء به . وأنه
يطالبه بدمه . ووقعت من أجل ذلك حرب مريرة في مكان
يسمى صفين قتل فيه مائة ألف وعشرة آلاف على راوية
المسعودي في مروج الذهب ، وكانت هذه هي الفتنة الثالثة
من الفتن التي وقعت بين المسلمين .
وفي
صفين عندما أحس معاوية بضعف جيشه عن المقاومة وبأن
الهزيمة لاحقة به لا محالة ، ابتكر خدعة المصاحف وطالب
بالرجوع إلى حكم الله وبتكوين نخبة للتحكيم وتحديد مدة
كهدنة ليتم فيها هذا العمل ، واختلف أصحاب علي اختلافا
شديدا بين موافق على الطلب ومعارض له . واضطر الإمام
إلى الموافقة نزولا عند رأي الأغلبية وإن كان رأيه هو
خلاف ذلك ، واختير الحكمان وحددت الهدنة وانتهى الموعد
وحضر الناس ، فأعلن مندوب الإمام علي بأنه اتفق مع
مندوب معاوية على عزلهما معاً من مناصبهما ثم يكون
الخيار للأمة تولي من تشاء . وأنكر مندوب معاوية ذلك
الاتفاق وأعلن أنه اتفق مع مندوب علي على عزل علي
وتثبيت معاوية ، فاعتبر علي أن قضية التحكيم في حكم
الملغاة لأن الحكمين لم يعملا بكتاب الله ولأنهما لم
يتفقا . ورجع إلى معارضي التحكيم – الذين كانوا قد
اعتزلوا الجيش عندما وافق الإمام علي على التحكيم ، ثم
بايعوا لهم إماما عندما أعلنت نتيجة التحكيم – يطلب
منهم الانضواء تحت لواء الجيش والاستمرار في محاربة
أهل الشام ، غير أن المعارضين وقد تجمعوا قرب النهروان
لم يوافقوا على العودة ، وجرت بينهم وبين رسل الإمام
وبينهم وبين الإمام نفسه مناظرات ومناقشات كثيرة لم
يتوصلوا بعدها إلى اتفاق فارتحل إليهم بجيشه ووقعت
بينه وبينهم موقعة قتل فيها أربعة آلاف حسب راوية
المسعودي سميت بوقعة النهروان وكانت هذه الفتنة
الرابعة فيما أرى .
وبالتأمل في أحداث هذه الفتن الأربع يجد الباحث أن
السبب فيها هو اختلاف في وجهتي النظر بين طائفتين من
المسلمين . وفي إحدى الطائفتين أمير المؤمنين – في
سلوك أمير المؤمنين نفسه في مسألة من المسائل أو مشكلة
من المشاكل أو عدد منها ، يرى هو صحة موقفه ، ويرى
المعارضون عدم الصحة وينتج عن تباين الموقفين الانتهاء
إلى القتال . ومع كل فريق من الطائفتين عدد من الصحابة
، وفي جميع تلك الأحداث يوجد – أيضا- جمع من الصحابة
وقفوا من الخلاف موقفا سلبيا فلم يشتركوا مع أحد ولم
يؤيدوا أحدا من الطرفين المختلفين .
ويبدو –
رغم اختلاف نزعات ودوافع المؤرخين – إن العنف في
الفتنة الأولى كان من المعارضين فقط ، وأن الإمام وقف
أمامهم أعزل لم يجرد سلاحا ، ومنع من التعرض لهم
بالقوة ، حتى في أحرج اللحظات . ولذلك فقد انجلت عن
مقتل الإمام فقط ، أو بعض أضرار أخرى بسيطة .
وفي
الفتنتين الثانية والثالثة بدأ العنف أيضا من
المعارضين غير أن الإمام هنا لم يقف سلبيا وإنما أجاب
على العنف بالعنف ولذلك فقد انجلت الفتنة الثانية عن
ثمانية عشر ألف قتيل . وانجلت الفتنة الثالثة عن مائة
وعشرة آلاف قتيل .
أما
الفتنة الرابعة فبعد المفاوضات والمناظرات كان العنف
فيهـا مـن الإمام – كما يبدو- واستجاب المعارضون عن
العنف بالعنف وانجلت الفتنة عن أربعة آلاف قتيل ، حسب
روايات المسعودي في مروج الذهب في جميع ذلك، أعني أن
هذه الفتن ذهب ضحيتها مائة واثنان وعشرون ألفا من
المسلمين المقاتلين حسب روايات المسعودي .
وصلب
الموضوع في أحداث هذه الفتن جميعا أن الخلاف فيها كان
ديانة، أي أن كل فريق كان يعتقد أن مسلكه هو الحق
ونستطيع أن نأخذ مثلا للخلاف عن كل فتنة من هذه الفتن
.
ففي
الفتنة الأولى اتهم عثمان بأنه يحابي أهله بالمال
والنصب فلما انتقد عليه ذلك وذكر له أن عمر لم يكن
يفعل ذلك أجاب بأن عمر منعهم لله وأنه هو أعطاهم لله .
وأجيب عنه بأنه أمير المؤمنين ، وأعرف بمصلحة الإسلام
والمسلمين وهو المسؤول .
وفي
الفتنة الثانية تمت البيعة لعلي فلم يبادر إلى قتل
قتلة عثمان ، فقال قائلون لا نسمع لك ولا نطيع حتى
تقتل قتلة عثمان ، وقال علي – وهو أمير المؤمنين
حينئذ- بل السمع والطاعة أولا ثم إقامة الحدود وكيف
يتمكن الإمام من إقامة الحدود إذا كان في الأمة من لا
يسمع ولا يطيع .
وفي
الفتنة الثالثة انشغل علي عن قتل قتلة عثمان أو لم ير
قتلهم فادعى معاوية أنه ولي دم عثمان وهو يطالب
بالقصاص ، فقال له الإمام علي بايع أولا وادخل فيما
دخل فيه المسلمون ، ثم طالب بحقك في ولاية الدم
ولإيقاع القصاص ، قال معاوية بل القصاص أولا .
وفي
الفتنة الرابعة رفعت المصاحف وطلبت الهدنة فاختلف
أصحاب علي فوافق تحت ضغط أصوات الأغلبية وقبل التحكيم
، ففارقه عدد من الجيش ، ويقول من يجيب بلسان علي ،
قبلنا الهدنة ونحن نعلم أنها خدعة خوفا على كلمة الجيش
واقتداء ببعض مواقف الرسول r المشابهة ، ويقول الآخرون
أنك تعلم أنهم فئة باغية وأنت تحاربها بأمر الله وليس
لك أن تتركها حتى تفيء إلى أمر الله أو يهلك أحد
الفريقين .
هذه
أمثلة بسيطة لتلك القضايا الشائكة ، ومنها يتضح لك أن
جميع المواقف في الأحداث السابقة كانت مواقف ديانة من
الأطراف المتخالفة . وأن استمساك تلك الأطراف بمواقفها
إنما يعني استمساكها بما تدين وتتقرب به إلى الله ،
وليس استمساك عصبية أو رغبة في الدنيا ، ويبدو لي أن
الفتن التي وقعت بين الصحابة تنتهي إلى هذا الحد ،
وأنه يجب على المسلمين أن يقفلوا عنها الباب وأن لا
يتورطوا بالتدخل فيها ، بقطع النظر عن آرائهم وميولهم
الشخصية ، وأنه لا علاقة لهذه الفتن بما جاء بعدها أو
ترتب عنها فيما نسب إليها . والحقيقة أن هذه الفتن
الأربع ينبغي أن توزن بميزان واحد باعتبارها أحداثا
بين الصحابة لأن جميع أطرافها حضره بعض من الصحابة .
والظروف فيها متشابهة ، والقائمون فيها من الجانبين
طلاب حق سواء أخطأوا فيه أم أصابوا .
والذي
يلجئنا إلى هذا الموقف- رغم أن في الموضوع دماء
وأموالا – هي ثبوت الأحاديث في بعض الصحابة الذين
وقفوا مواقف متعارضة في هذه الأحداث ، وشهروا فيها
السيوف على بعضهم البعض .
وبانتهاء الفتنة الرابعة انتهت الفتن التي قامت في
عهود الصحابة وبينهم ، أو على الأقل في عهود الخلافة
الرشيدة .
وبالنظرة المنصفة النزيهة المتعمقة في أحداث التاريخ
يتضح أن آثار هذه الفتنة كحركة عملية قد انتهت في
زمنها ، فقد قتل أهل النهروان وتفرق باقيهم ممن لا حول
له ولا قوة ثم قتل الإمام علي بمؤامرة نسبت إلى
الخوارج ، كما جرت العادة أن تنسب إليهم كل الأعمال
الشاذة المنحرفة ، فقد صنع منهم كتاب التاريخ
والمقالات شخصيات خرافية – كشخصية جحا وأشعب وأبو زيد
الهلالي – يلقون على أكتافهم مسئولية الدم في التاريخ
الإسلامي عامة والله أعلم بمن دبرها وإن كانت أصابع
الاتهام تشير إشارات واضحة إلى الأشعث بن قيس
(46) ثم سلم الإمام الحسن بن علي إلى معاوية بعد
شهور قليلة ، فلم يبق لهذه القضية أي أثر وقد انتهى
جانبها ، جانب أهل النهر وجانب أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب .
ويثب
هنا إلى الذهن سؤال يتردد قائلا : ما علاقة هذه الفتن
بالخوارج ؟ ويبدو أن الجواب الصحيح سيقول أنه لا علاقة
لها بهم ، فهي فتنة بين الصحابة تشبه الفتن السابقة
ليس لنا أن نحشر أنوفنا في أحداثها ونبين المخطئ فيها
والمصيب وإنما نتركها كما تترك سابقاتها لله .
والواقع
أن كثيرا من المؤرخين يحرصون أشد الحرص على تسمية أهل
النهر بالخوارج ثم هم يتكلفون ما يثبتونه به تكلفا يصل
حد السخف أحيانا ، ويجهدون أنفسهم في البحث للتدليل
على أن أهل النهر هم المقصودون بحديث المروق المعروف –
وإن صح – وينسبون إلى الإمام علي مما يثبت الدعوى
أخبارا غيبية يخبر قبل وقوع الأحداث بوقوعها ، ثم هم
يخلطون خلطا عجيبا بين معنى الخروج عن الدين ومعنى
الخروج عن الدولة ، وكلما تطاول الزمن كلما كبر هذا
الحرص عند المؤرخين وكتاب المقالات .
وأنا في
كتابتي لهذا الفصل – وأنا بعيد عن المراجع في مكاني
هذا – لا أحاول أن أناقش صحة هذا الحديث ولا مدى
انطباقه على هذه الجماعة بالذات ، كما أنه ليس بإمكاني
الآن أن أحدد بالضبط متى استعملت كلمة الخوارج وأول من
استعملها وعلى من أطلقها ، في مصدر موثوق به ، ومع ذلك
فأنا لا أجزم بشيء مما ورد في هذا الموضوع في حينه ،
وأحسب أن جميع ما قيل عن الخوارج في تلك الظروف عرضة
للنقد، وأن الشك فيه أقوى من اليقين .
يقول
الإمام أبو إسحاق اطفيش (47) : " الخوارج
طوائف من الناس في زمن التابعين وتابع التابعين ،
رؤوسهم نافع بن الزرق ، ونجدة بن عامر ، ومحمد بن
الصفار ، ومن شايعهم ، وسموا الخوارج لأنهم خرجوا عن
الحق وعن الأمة بالحكم على مرتكب الذنب بالشرك
فاستحلوا ما حرم الله من الدماء والأموال بالمعصية . "
ويقول
أيضا : " إن تسمية الخوارج لم تكن معهودة في أول الأمر
، وإنما هي انتشرت بعد استشراء أمر الأزارفة كما قلنا
، ولم تعرف هذه التسمية ف أصحاب علي المنكرين للتحكيم
والراضين به ، ولعل أول ما ظهر هذا اللفظ بعد ثبوت
الأمر لمعاوية . "
حدثت أم
نافع بن خليفة : " أن الناس يومئذ على ثلاثة أصناف :
صنف جبابرة وأتباعهم ، وصنف فساق يشربون النبيذ
ويضيعون الصلاة ، ويعملون بالفواحش ، وليس هناك يومئذ
صفرية ولا أزارفة ولا شكاك ، وإنما الذين يسمون القراء
يدينون بقتال الجبابرة ، وبالأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر وقمع الفساق عما يصنعون ، فلما رأى ذلك زياد
جعل يتخذ الأدلاء عليهم، ويأخذهم فيقتلهم ، فلما رأوا
ذلك منه خشـوا أن يقتلهم على فرشهم " (48)
وقال الإمام نور الدين السالمي : " ثم لما كثر بذل
نفوسهم في رضي ربهم، وكانوا يخرجون للجهاد طوائف سموا
( خوارج ) وهم جمع خارجة ، وهي الطائفة التي تخرج في
سبيل الله . "
وكل ما في هذا الموضوع أن المعارضين للتحكيم اعتزلوا
جيش الإمام فلما فشل الحكمان بايعوا واحدا منهم إماما
، ولكن الإمام علي بعد فشل الحكمين بدأ يستعد لاستئناف
القتال مع معاوية ، فاقتضت نظرته السياسية – عملا
بنصيحة بعض مستشاريه – أن ينتهي من أمر أولئك
المعتزلين أولا وقد انتهى منهم فعلا ، كما انتهى من
قبل من أصحاب الجمل ، ولم يكن هناك مجال للتنابز بهذه
الألقاب فلم يكن من أخلاق علي ولا أخلاق من يسير
بسيرته أن ينبزوا الناس بالألقاب ولا أن يصف أولئك
الناس بالخروج من الدين والمروق منه أو بغير ذلك من
الألقاب والأسماء التي أصبح لها رنين فيما بعد ،
لاسيما وأن الإمام يقول : "
كل مجتهد مصيب " (49)وهو يعلم
تمام العلم أن هؤلاء القوم لم يقفوا ذلك الموقف منه
إلا اجتهادا منهم بأن موقفهم ذلك هو الحق .
والمصادر التي تصور موقف أو حالة الإمام بعد فتنة
النهروان متضاربة حسب اتجاهات أصحابها ، ولكنها مجمعة
على أن سخط الإمام على أهل الشام كان أشد وأعنف من
سخطه على أهل النهروان ، وكلماته التي حفظت عنه – إن
صحت نسبتها إليه – تدل دلالة واضحة على أسفه وندمه على
قتلهم .
والذي
أريد أن أنتهي إليه من كل هذا أن موقعة النهروان فتنة
بين الصحابة كالفتن التي سبقتها وليس لها أثر فيما بعد
اللهم إلا النقاش الجدلي في موضوع الإمامة وواجبات
الإمام وحقوقه ، وواجبات الأمة وحقوقها والحدود في ذلك
والاستدلال بموقف الإمام أو موقف الأمة عندما يختلفان
وهل للإمام أن ينعزل عن أمور المسلمين دون حدث ؟ وهل
لهم أن يعزلوه كذلك . وإذا انعزل فهل من حقه أن يعود ؟
وأن تكون بيعته الأولى في أعناق الناس حتى بعد التخلي
والرجوع ؟ وهل بيعة الإمامة عقد من طرف واحد أو من
طرفين ؟ وهل الطرفان متساويان ؟ وماذا لو أن أحد
الطرفين لم يلتزم بمضمون البيعة كما لو دعا الإمام إلى
جهاد العدو فلم يتقدم أحد ، أو تقدم عدد ضئيل لا غناء
فيه . فلا شك أن أبحاثا مستفيضة أثيرت حول هذه
المواضيع بسبب قضية التحكيم وفتنة النهروان ، ومواقف
الإمام في تلك الظروف ومواقف أصحابه ، سواء من بقي معه
أو من انعزل عنه .
وبعد
فتنة النهروان ، ثم اغتيال الإمام علي (50)بايع
الناس الإمام الحسن بن علي وكان الحسن يدرك تمام
الإدراك أن أمر الحكم – بكل الوسائل – سينتهي إلى
معاوية ، وقرر هو في داخل نفسه أن يوقف الصراع المرير
بين الهاشمية والأموية ، وأن يحقن دماء المسلمين ،
فلما عرضت عليه البيعة لم يمتنع خوفا من أن يتجه الناس
إلى غيره فيسلك بهم مسلك التطرف ، فتعود الأمور إلى
أسوأ مما كانت عليه من النتائج ولهذا قبل البيعة .
فلما هدأت العواصف ، واستقرت الأمور ، وسكن الناس ،
سلم لمعاوية .
ولا شك
أن عددا كبيرا كان ساخطا على معاوية وأن عددا آخر قد
سخط عليه هو نفسه في تسليمه واتهموه بالجبن والضعف
والأنانية ، ولكن القضية سارت كما قدرها الحسن وكما
أرادها معاوية .
ولما
بدأ معاوية يمهد لأخذ البيعة بولاية العهد لابنه يزيد
ازداد عدد الساخطين وأصبحت الأمة الإسلامية – ما عدا
أهل الشام – تغلي كالبركان، ولم يمسكها عن الانفجار
العام الدموي إلا وجود معاوية في الحكم بمزاياه
السياسية قل أن توجد عند حاكم . فلما توفى معاوية
وتولى يزيد انفجر البركان فقامت في كل مكان مجموعة من
الناس تسل الحسام وتندفع إلى أغراضها بالعنف والقوة ،
وإن كانت دعاوى ودوافع كل مجموعة قد تختلف عن المجموعة
الأخرى .
فبعضها
قام بأحقية الخلافة ، وبعضها بعدم أهلية الخلافة ،
وبعضها بالقرابة التي تفوق قرابة أهل البيت في زعمها ،
وبعضها للانتقام وأخذ الثأر ، وبعضها مطالبة بالعدالة
والرجوع إلى حكم الشريعة ... إلى غير ذلك من المبررات
والمزاعم والوسائل . وقد وقعت بسبب ذلك مشاغبات وحروب
انتهى بعضها بعد خروج واحد ، وقاوم بعضها فترة أطول ،
فكانت الأنباء ترد إلى دار الإمارة بهذا الشكل .
خرجت
خارجة بالكوفة ، خرجت خارجة بالبصرة ! بالمدائن ،
بالطائف! باليمن ، الخ . وكانت الأنباء تتوالى كل يوم
بمزيد من الطوائف التي رفعت السلاح في وجه الحكم ،
وصممت أن تحقق مطالبها بالعنف والقوة . فكان الأمير في
أول الأمر يبعث بفرقة من الجيش إلى خارجه ما ليقضي
عليها أو يشتتها ، ولكنه عندما كثرت هذه المجموعات
التي تخرج عن الحكم وترفع السلاح في وجه الدولة ، صار
على كل وال في مصر من الأمصار أن يكوّن جيشا كثيفا
قويا مزودا تحت قيادة ماهرة ، ثم يرسل به للقضاء على
خوارج ناحية من النواحي فيقول لقائد الجيش – عنك –
انطلق إلى خوارج المدائن أو خوارج الأهواز أو خوارج
اليمن وهكذا .
فاستعملت كلمة الخوارج بمعنى الخروج السياسي عن الدولة
الأموية كاصطلاح عسكري خاص بمعنى الجماعات الخارجة عن
الدولة ، ولكن حدث أن تطرف بعض تلك الجماعات فقامت
بعقائد حكمت بها بالشرك على الحكام الظلمة وعلى من رضي
بالبقاء معهم أو تحت حكمهم ، فسخط الناس عليهم لهذه
العقيدة وما انبنى عليها من السلوك واعتبروهم خارجين
بذلك عن الدين فأصبحت كلمة الخوارج تدل على معناها
الكامل في جانبيها معا الديني والسياسي . وجاء هنا دور
القيادة البارعة للدولة الأموية وأنصارها فاستغلت هذا
الموقف الشاذ من بعض الجماعات فاعتبرته موقفا لكل ناقم
عليها غير راض بانحرافها ، ثم استغلته استغلالا آخر
أبعد مدى حين حاولت أن تطلق كلمة الخوارج على مفكري
التحكيم ، وأن ويشملهم اسم الخوارج جميعا . ووضعت في
هذا عشرات الأحاديث منها ما عرف زيفه ومنها ما لم يعرف
، كما وضعت عن لسان الإمام فيه عشرات الأقاويل منها ما
هو ظاهر البطلان ، وقد اشتهر في هذا الباب ناس منهم
المهلب بن أبي صفرة ، حتى أنه قيل أن أثر أحاديثه
المكذوبة على الخوارج كان أشد من أثر سيفه .
وقد
استفادت الأموية بهذه الخطوات أنها جعلت الشيعة
والمعتزلين والمعتدلين يتفقون معها في السخط على
الخوارج والحكم عليهم بالخروج من الأمة الإسلامية دون
معرفة بحقيقة الخوارج ومبدأ ظهورهم لأنها أدخلت في روع
الناس أن مبدأ ظهورهم هو انفصالهم عن علي بعد التحكيم
.
وأعتقد
أنه مرت فترة قصيرة في أواخر أيام معاوية وأيام يزيد
كانت كلمة الخوارج لم تستعمل بعد . أما منكرو التحكيم
فكانت تطلق عليهم كلمة أخرى هي ( المحكمة ) ولذلك لما
لج زياد في الاضطهاد والظلم وصار يتتبع الناس ويقتلهم
في منازلهم تحرك الناس لرد الفعل .
وقد
صورت أم نافع هذه الفترة بصورة مختصرة ولكنها واضحة
حين قالت كان الناس حينئذ على ثلاثة أصناف : حكام
جبابرة ظلمة ، وفساق اتبعوا شهواتهم : وانحرفوا عن
الدين ، والقراء الذين يحافظون على الدين في سلوكهم
وينتقدون حكم الظالمين فلما كثر الأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر ووجه النقد الصريح إلى الأمراء خطر لزياد أن
يتسمع على الناس ويستخرجهم من بيوتهم فينتقم منهم فخشي
بعض الناس أن يقتلوا على فرشهم فخرجوا ودعوا إلى
الخروج . وليس هناك يومئذ صفرية ولا أزارفة ولا شكاك
(51).
ولعل
هذه الكلمة من أم نافع بنت خليفة تشير إشارة واضحة إلى
أن الخوارج بمعنى كلمة الخوارج الكامل وبدلالته على
جانبيه إنما بدأ استعمالها عند هذه الحركة أو قبلها
بقليل .
وقد
نجحت القيادة الأموية في تكتل الجهود ضد الخارجين
عليها باعتبارهم خوارج عن الإمام علي وعن الدين وعن
خلافة المسلمين فحاربتهم بسيفها وبالإشاعة . والحديث
الموضوع وببغض محبي الإمام لهم ، وانحاز إلى جانبها
كثير من العلماء والفقهاء دون أن يعرفوا الحقيقة
الكاملة لمن كانت تطلق عليهم السياسة الأموية كلمة
الخوارج أو على الأقل لم يفرقوا بين من تنطبق عليهم
كلمة الخوارج بمعناها الكامل نتيجة لمبادئهم الشاذة
الخاصة بهم، وبين من خرجوا أو دعوا إلى الخروج دون أن
يحملوا شيئا من مبادئ الخوارج، وإنما ثاروا على
الانحراف والظلم ودعوا السلطة الحاكمة إلى الالتزام
بأحكام الإسلام وبين الموقفين فرق كبير .
وإذا
رجعت إلى مناقشة جميع دوافع الخروج في الدولة الأموية
في مجموعاتها المختلفة ، لم تجده مسألة أو عددا من
المسائل اختلفت فيها أنظار الاجتهاد بين جهاز الحكم
والجهاز الشعبي – إن صح هذا التعبير – كما هو الحال في
الفتن الأربعة السابقة ، وإنما نجد أن الطرف الشعبي
الناقم – على اختلاف دواعيه ودعاويه – غير مسلم بشرعية
الحكم أساسا ، يضاف إلى عدم الشرعية عدم الالتزام
بأحكام الإسلام . أما الجانب الثاني فيعتبر أن الحكم .
وما يتبعه يجب أن يجري على رغبة السلطة ووفق إرادتها
وهو حق اكتسبه بالقوة لم يمتن به عليها أحد ولن تفرط
فيه مهما كانت الظروف . ولعل خير ما يصور النظرة
الأموية إلى قضية الحكم هو الكلمة التي قالها مروان
ردا على الوفود التي جاءت تنتظر أمير المؤمنين عثمان
بعد أن خطبهم في المسجد خطبة مهدئة ، ووعدهم وعودا
واستغفر ربه حتى تأثروا وتأثر وبكوا وبكى ، فلما رجع
إلى البيت وجد هناك مروان وجماعة من بني أمية لم يرضهم
مسلك أمير المؤمنين مع الناقمين عليه ، وبعد مناقشة
عنيفة بينهم خرج مروان – إلى الجموع المحتشدة التي
تنتظر عثمان ليفي لهم بما وعد – فقال لهم مروان : "
ما شأنكم : قد اجتمعتم كأنكم
جئتم لنهب : شاهت الوجوه أتريدون أن تنزعوا ملكنا من
أيدينا ، اغربوا عنا والله إن رمتمونا لتميرن عليكم
ماحلا ، ونفعلن بكم ما لا يسركم ، ولا تحمدوا فينا غب
رأيكم ، أرجعوا إلى منازلكم ، فإنا والله غير مغلوبين
على ما في أيدينا . "
ومروان
في ذلك الحين لم يصل بعد إلى السلطة المباشرة وإنما
كان يعيش في ظلال الخلافة الرشيدة ، ولكن هذا لم يمنعه
من الإحساس بأن السلطة قد وصلت إلى الأيدي الأموية ،
ويجب أن تبقى بها وهو لم يدافع عن أمير المؤمنين عثمان
، بل إنه لم يعرض لهذا الجانب مطلقا ، وإنما اعتبر
الملك ملك بني أمية وأنهم مستعدون من أجل ذلك للدفاع ،
وليسوا مغلوبين على ملكهم، وإنهم سينتقمون من كل من
يعرض بالمعارضة .
فالموقف
بين الحكم الأموي والمعارضين له لم يكن موقفا اختلفت
فيه أنظار الاجتهاد في مسائل محدودة بين طرفين متفقين
على الأصول . وإنما هو موقف يلتجئ فيه الجانب الأموي
إلى السادة الحاصلة في التغلب والقهر بالقوة وإلى
استعمال السلطة في كل المرافق وحجته دائما هي ملكية
اليد ، وكثرة العدد ، وصرامة العقاب ولم يلتجئ أبدا
إلى أي معنى من معاني الحق لأنه لو التجأ إلى ذلك لخسر
القضية جملة وتفصيلا ، ويلتجئ فيها الجانب المعارض إلى
عدد من المواقف أشدها عدم الاعتراف بالحكم القائم ،
وأوسطه السكوت عن شرعية الحكم ، وإنما المطالبة بالعدل
والالتزام ، وأهونه الرد على أحداث معينة محددة أو
الأخذ بالثأر لأشخاص معينين .
وبالنظر
إلى الاعتبارات السابقة جميعا أحسب أن تاريخ الخوارج
يبدأ بعد قيام الدولة الأموية وأنه ليس كل من أطلقت
عليهم كتب التاريخ اسم الخوارج هم خوارج حقيقة ، وإنما
الخوارج حقيقة هم طوائف محدودة ، لها مقالات شاذة كانت
كمبادئ وشعارات لهم لا يشاركهم فيها غيرهم أما الأحداث
والحروب التي وقعت في عهد بعض الخلفاء الراشدين فهي
فتن بين الصحابة وقد انتهت بالفتنة التي وقعت بين أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب ومنكري التحكيم قرب النهروان
وقد سمي هؤلاء بالمحكمة واشتهروا بها ، أما الألقاب
الأخرى من الخوارج والمارقة وما إليها فقد جاءت فيما
بعد توجيه سياسي لاستغلال ظروف معينة .
بعد هذا
أحب أن أذكر القارئ الكريم أن هناك من يرى مثل هذا
الرأي من بعض الوجوه فقد اطلعت على كتاب الأستاذ على
مصطفى الغوابي تحت عنوان" تاريخ الفرق الإسلامية ونشأة
علم الكلام عند المسلمين " كتب فيه باختصار عن الطوائف
الأربع التي يتكون منها جميع المسلمين في نظره وهي
المعتزلة والشيعة والخوارج والمشبهة ، وقد رأيت أن
أنقل لك كلمة صغيرة عن الخوارج في كتابه القيم مع
تصريف قليل بحذف الأحداث التاريخية التي يذكرها أثناء
الكلام . قال في صفحة 272 وما بعدها .
" أما
سلفهم فهم الذين يسميهم المؤرخون (( المحكمة الأولى ))
وبعد كلام يقول : " فإنهم تجمعوا في اثني عشر ألفا "
وبعد كلام يقول : "ولم يبق منهم إلا أربعة آلاف مع
عبدالله بن وهب وحرقوص بن زهير ولما نشب القتال بينهم
وبين علي لم يبق منهم إلا تسعة رجال . "
ثم يقول
بعد كلام : " وبعد هذا يتأتى لنا أن نقول إن هؤلاء هم
سلف الخوارج ، إلا أنه بعد بيان الجهات التي رحل إليها
هؤلاء الرجال التسعة لم يبين لنا أحد من المؤرخين كيف
انتهى الحال بهؤلاء الرجال الذين توزعوا في تلك البلاد
، وإنما ابتدءوا تاريخهم لفرقهم الذين ذكروا في
مقدمتهم الأزارفة ثم النجدات وهكذا من غير ربط الصلة
بين تلك الفرق الجديدة ورجالهم الذين توزعوا في البلاد
. " انتهى المقصود منه .
ولاشك
أنه يحق للأستاذ علي الغوابي أن يثير هذا التساؤل
فالمسافة بين فتنة النهروان وظهور الخوارج بعيدة جدا ،
وأعني بكلمة الخوارج هنا الأزارفة ومن قال بقولهم وسار
بسيرتهم ، ذلك أن كلمة الخوارج بالحقيقة إنما وجدت
معناها بظهور الأزارفة . وكتب التاريخ تذكر أن نافعا
بن الأزرق كان من جملة الساخطين على الحكم الأموي ولما
لج ابن زياد في اضطهاد الناقمين عليه اجتمع عدد من
الناس وبايعوا نافعا بن الأزرق في البصرة ، ثم ذهب بهم
إلى الأهواز فاستولى عليها وجبى خراجها ، وكان هذا في
سنة 64 هـ ، وهناك في الأهواز خطا خطوته المتطرفة التي
فرقت عليه كثيرا من أنصاره وأبعدت عنه كل المعتدلين
الذين كانوا غير راضين على الحكم الأموي ، وقد ساق
القصة عدد من المؤرخين ووردت في بعض كتب بأسلوب أدق
وأجمل .
قال أبو
العباس المبرد في كتابه الكامل الجزء الثاني ص208 ما
يلي :
" جاء
مولى لني هاشم إلى نافع فقال له : أن أطفال المشركين
في النار وأن خالفنا مشرك ، فدما هؤلاء الأطفال لنا
حلال قال له نافع :
كفرت
وأدللت بنفسك ، قال له : إن لم آتك بدليل لهذا من كتاب
الله فاقتلني " وقال نوح رب لا تذر على الأرض من
لكافرين ديارا ، إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا
إلا فاجرا كفارا " فهذا أمر الكافرين وأمر أطفالهم ،
فشهد نافع أنهم جميعا في النار ، ورأى قتلهم وقال :
الدار دار كفر إلا من أظهر إيمانه ولا يحل أكل ذبائحهم
ولا تناكحهم ولا توارثهم ومتى جاء منهم جاء فعلينا أن
نمتحنه ، وهم ككفار العرب لا نقبل منهم إلا الإسلام أو
السيف ، والقعدُ بمنزلتهم والتقية لا تحل . "
وعندما
علم عبدالله بن إباض بهذا الموقف في ابن الأزرق برئ
منه قال الطبري في الجزء الرابع من تاريخه ص440 ما يلي
:
" فقال
– أي عبدالله بن إباض – قاتله الله أي رأي رأى صدَّق
نافع بن الأزرق "
لو كان
القوم مشركين كان أصوب الناس رأيا وحكما فيما يشير به
، ولكنه قد كذب وكذبنا فيما يقول ، إن القوم كفار
بالنعم والأحكام ، وهم براء من الشرك ، ولا يحل لنا
إلا دماؤهم وما سوى ذلك من أموالهم فهو علينا حرام "
وقد لخص
أبو العباس المبرد رد عبدالله بن إباض في كتابه الكامل
ص214 فقال :
" وقول
ابن إباض وهو أقرب الأقاويل إلى السنة " ثم نقل قول
عبدالله بن إباض في رده على نافع فقال : " وأنا أقول :
إن عدونا كعدو رسول الله r ولكني لا أحرم مناكحتهم
وموارثتهم لأن معهم التوحيد والإقرار بالكتاب والرسول
u ، فأرى معهم دعوة المسلمين تجمعهم وأراهم كفارا
للنعم "
وواضح
من هذا أنه لا علاقة بين المحكمة والخوارج فإن المحكمة
قد انتهوا بموقعة النهروان وإن حركات كثيرة مناوئة
قامت على الدولة الأموية اتخذت أساليب مختلفة وأسبابا
متعددة ، ولكنها كلها لم تحمل معنى الخارجية حتى جاء
نافع بن الأزرق وخرج بحركته سنة 64هـ وحكم على جميع
مخالفيه بالشرك ، وحاول أن يطبق عليهم حكم مشركي العرب
فانطبقت عليه وعلى من أخذ برأيه كلمة الخارجية
بمعنييها : السياسي والديني . ثم توسعت فيها السياسة
الأموية واستغلتها فأطلقتها على أكثر من ينتقدها . ثم
وجدت من يربطها بالمحكمة ،وما هي في الواقع إلا حركة
أخرى من الحركات الناقمة على الحكم الأموي وأن اعتبار
الخوارج خلفا للمحكمة ربط الخارجية بالمحكمة بأي رباط
هو عملية ملفقة ، وقد استجاب الخوارج لتلك المحاولة
لأنها تجعل لحركتهم أساسا في أحداث التاريخ ، ومهما
حاول المحاولون فإن هوة زمنية تبقى فاغرة الفم بين
موقعه النهروان وتحرك الخوارج لأول مرة بقيادة نافع بن
الأزرق ، ومهما نسب إلى المحكمة ومن انتسب إليهم فيما
بعد فإنه لم يجد أحد دليلا واحدا صحيحا يصلح التعلق به
ينسب فيه إلى المحكمة شيئا من مبادئ الخوارج ، من
قولهم بتشريك المسلمين واستحلال أموالهم ومعاملتهم
معاملة مشركي العرب ، وكلمة الكفر التي تذكرها كتب
التاريخ كثيرا في النقاش الذي جرى بين الإمام أو من
يرسله إلى أهل النهر ، كانت دائما تتبع بكلمة التوبة ،
مما يدل أنها تستعمل بمعنى كفر النعمة أو المعصية ،
ولم يقصد بها أحد معنى الشرك ، ولم يمر علي فيما اطلعت
عليه على كثرة ما نسب إلى المحكمة من حق وباطل أنهم
طالبوا أحدا بتجديد الإسلام ، وإنما يطالبون بالتوبة
ويمكن أن ننتهي في نهاية الفصل إلى ما يلي :
الفتنة
الرابعة كان الخلاف فيها بين الإمام علي والمحكمة وقد
انتهت بانتهائهم والحركات التي قامت فيما بعد قامت ضد
الحكم الأموي والخروج فيها خروج سياسي مهما كانت
الدعاوى والدواعي .
ابتدأت
حركة الخوارج حقيقة بقيام ابن الأزرق سنة 64 هـ .
إذا
أطلقت كلمة الخوارج فيجب أن تنصرف إلى هذه الحركة ،
أما إذا أطلقت على غيرها فيجب أن تفهم بأنها خروج
سياسي فقط
المصدر: كتاب الاباضية بين الفرق الاسلامية - للشيخ علي يحي
معمر