مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة
 

 

 

فصول من كتاب الاباضية بين الفرق الاسلامية

 

مفاهيم يجب أن تختفي -1

 

سبق إلى أذهان الناس- بسبب ما يقوله كل أصحاب مذهب عن أنفسهم – بأنهم أصحاب الحق ، وأهل العدل ، وأهل الصواب ، وأهل السنة ، وأهل الاستقامة ، وبما يقولونه عن غيرهم من أنهم أهل الزيغ ، وأهل الضلالة ، وأهل البدعة ، وأهل الأهواء ، وبأنهم فعلا أهال الحق وبأن في الجنة وبأنهم غيرهم فعلا أهل الباطل وأنهم في النار .

هذه المفاهيم المبينة على أنانية مذهبية يجب أن تختفي وأن يقوم بدلها مفهوم هو أنه ليس هناك في الإسلام إلا أمة واحدة هي الأمة الإسلامية التي وعدها الله تبارك وتعالى بكل خير . وليس فيها مجموعات أو طوائف أو فرق تدفع هكذا بوصفها الجماعي إلى الهاوية . وإنما فيها أفراد يشذون عن الأمة بانتهاك حرم الإسلام ومن شذ بالانتهاك المتعمد شذ إلى النار فالأوصاف الحميدة يجب أن تطلق على الأمة الإسلامية جمعاء والأوصاف الذميمة من الزيغ والضلال والابتداع واتباع الهوى فهي أوصاف لا تطلق إلا على من يستحقها من الأفراد بسبب الانتهاك ، وإن شئت مزيدا من الإيضاح فاقرأ المقال الآتي :

أهل السنة وأهل البدعة

اعتاد كل مذهب أن يطلقوا على أنفسهم أحب الأسماء – كأهل السنة ، أهل الاستقامة ، أهل العدل ، أهل الحق ، وأن يطلقوا على مخالفيهم أقبح الأسماء ، كأهل البدع ، أهل الأهواء ، أهل الضلال ، أهل الزيغ ، وكان الكثير منهم يفتحون أبواب الجنة على مصاريعها لاتباعهم ، ويقفلونها بإحكام أمام أنظار الآخرين ، ويبلغ بهم التطرف إلى أن يقدموا فساق مذاهبهم على صلحاء غيرهم ، ومن الأمثلة القريبة أن فقهاء الأشاعرة يقولون بأن المسلم العاصي لا يخلد في النار وإن دخلها ، ولكن بعضهم يستثني المعتزلة من هذه القاعدة فيرميهم جميعا في النار بصلحائهم وفساقهم ثم يحكم عليهم بالخلود فيها رغم أنهم مسلمون .

الفرق الإسلامية كلها – في دعواها – ترجع إلى أصلين ثابتين هما : الكتاب والسنة ، وكل فرقة تزعم وتصر أنها هي التي تعمل بالكتاب وتحافظ على السنة ، وأن غيرها ليس كذلك . وعلى هذا الأساس قام ناس فاحتكروا لأنفسـهم اسـم ( أهل السنة (40) ) وناس ( أهل الاستقامة ) وناس ( أهل الحق ) الخ فأطلقوا على غيرهم عند التعميم كلمة المبتدعة أو أهل الأهواء أو غيرها من كلمات التضليل ثم انقسمت كل طائفة منهم على مذاهب كما قسموا أهل البدع في نظرهم على مذاهب ، ثم ألصقوا بكل طائفة أو فرقة أحكاما خاصة بها أو تشترك فيها مع غيرها، فأصبح كل مذهب من مذاهب المسلمين إذا نظرت إليه من زاوية أتباعه هو مذهب السنة ومذهب الحق ومذهب الاستقامة ومذهب العدل ومذهب الصواب وإذا نظرت إليه من زاوية مخالفيه فهو مذهب الأهواء ومذهب البدعة ومذهب الزيغ ومذهب الضلال . وينشأ الناشئ المسلم في أكناف إحداها فتعتاد أذنه على سماع هذه الأوصاف والنعوت ويتلقاها ويتشربها في غير كلفة حتى تصبح عقيدة غير خاضعة للنقاش أو المراجعة .

 

الأشاعرة يزعمون أنهم يعملون بالسنة ويحافظون عليها .

الماتريدية يزعمون أنهم يعملون بالسنة ويحافظون عليها .

المعتزلة يزعمون أنهم يعملون بالسنة ويحافظون عليها .

الشيعة بفرقهم يزعمون أنهم يعملون بالسنة ويحافظون عليها .

الخوارج يزعمون أنهم يعملون بالسنة ويحافظون عليها .

الظاهرية يزعمون أنهم يعملون بالسنة ويحافظون عليها .

فجميع فرق المسلمين يزعمون أنهم يعملون بالسنة ويحافظون عليها .

ونظرا لهذه الحقيقة فإن جميع المذاهب الإسلامية داخلة تحت اسم ( أهل السنة ) فلا معنى لأن تقصر هذه التسمية على فرق محددة أو تحتكرها لنفسها مذاهب خاصة .

إن جميع المسلمين الذين يرجعون في دياتنهم إلى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هم من أهل السنة من أي فرقة كانوا ، لأي مذهب اتبعوا .

وقد كانت العصبيات المذهبية وأصابيع السياسة ، وبُعدُ بعض المسلمين عن بعض ، وجهل أهل كل مذهب بما عليه الآخرون ، حواجز تحول دون تعرف المسلمين بعضهم ببعض .

أما الآن – وقد اختلط المسلمون بعضهم ببعض وعرف الكثير منهم المصطلحات أو بعض المفاهيم ، وتنشأ بدلا منها مفاهيم أو مصطلحات أخرى تكون اقرب إلى توحيد جميع صفوف المسلمين وتوحيد كلمتهم . فلا معنى أبدا أن يأتي إنسان يسهل عليه تماماً أن يستخف بأحكام الله فيرتكب ما نهاه عنه ويهمل ما أوجبه عليه ثم يزعم – في تبجح ظاهر – أنه سني أو من أهل السنة . فإن قابله إنسان آخر لا يتفق معه في المذهب رماه بأنه مبتدع رغم الصلاح والتقوى . والحقيقة عكس ما يقول .

لقد آن الأوان لأن تطلق كلمة أهل السنة على أهل الصلاح من كل فرقة ، وكلمة السني على كل فرد متمسك بالإسلام محافظ عليه حسب الأصول التي يرتكز عليه المذهب الذي ينتمي إليه ، وأن تطلق كلمة المبتدعة أو أهل الأهواء على كل مجموعة من الناس غير ملتزمة للإسلام سلوكا . وكلمة المبتدع أو صاحب البدعة على كل متهاون بأحكام الإسلام حسب المذهب الذي ينتمي إليه . لقد انقرض أتباع كثير من المذاهب الإسلامية كالظاهرية والمعتزلة والخوارج ولم يبق فيم أعلم إلا الماتريدية وهم أتباع أبي حنيفة والإباضية وهم أتباع جابر بن زيد والأشاعرة وهم أتباع مالك والشافعي والأثرية وهم أتباع أحمد في القديم وابن تميمة في الحديث وفرق من الشيعة تجمعها كلمة الشيعة وتفترق بأسماء خاصة كالزيدية والجعفرية وغيرها .

وأتباع هذه المذاهب كلها يؤكدون أنهم في دينهم يرجعون إلى أصلين هما الكتاب والسنة فهم – جميعا – بهذا الاعتبار من أهل السنة أو سنيون أعني أن الصلحاء من جميع هذه المذاهب سينون وأن الفساق من جميع هذه المذاهب مبتدعة وأهل أهـواء ، فالحنفي والإباضي والمالكي والشـافعي والحنبلي والجعفري والزيدي – مثلا – إذا تمسك بالإسلام حسب مذهبه فهو سني وإذا تهاون به في واجباته عملا أو تركا ، قولا أو عقيدة ، فهو مبتدع .

يعني أن البدعة هي الانحراف عن الدين ، والسنة هي الاستمساك به على ما عرفه أي مسلم بدراسته للإسلام .

 ومن التحكم المخالف للمنطق والعقل وطبيعة الحياة أن نأتي إلى رجل من الزيدية – مثلا – قد درس الإسلام على مذهبه ، وحافظ عليه محافظة المؤمن التقي الذي يخشى الله بالغيب فنقول له أنت مبتدع ولا يمكن أن تكون من أهل السنة إلا إذا درست مذهب ابن حنبل وعرفت الإسلام على طريقه ، وأعلنت أنك من أتباعه ، ثم نأتي إلى رجل قد غلب عليه شح نفسه واستعبدته أهواؤه ، فترك بعض ما فرض عليه الإسلام ، وارتكب بعض ما نهاه عنه فنقول له أنت من أهل السنة لأنك تتبع مذهب أحمد أو مذهب محمد .

أهل السنة هم الأتقياء الصالحون من أي مذهب كانوا والمبتدعة وأهل الأهواء هم الفسقة الفجرة ولو لبسوا جبة جابر وطيلسان مالك وعمامة أحمد واتخذوا لمظهرهم سمت زيد وجعفر لقد آن لتلك المفاهيم – التي أملاها التطرف في التعصبات – أن تختفي .

وآن للمؤسسات العلمية الإسلامية أن تغير مناهجها ودراساتها ، وآن لمن يهتم بالإسلام والمسلمين في هذا العصر أن ينظر نظرة أخرى يميلها واقع الحياة للأمة المسلمة ضمن الإطار العام لمبادئ الإسلام .

 لقد عاش الأزهر الشريف عهدا طويلا محتكرا لأربعة مذاهب . وعاش معهد الزيتونة قرونا عديدة محتكرا لمذهبين ، وكذلك عاشت كثير من المعاهد والمؤسسات العلمية في مختلف البلاد الإسلامية محتكرة لمذهب أو مذاهب محددة ، وكانت تلك المعاهد كلها تنسب إلى نفسها أنها حاملة الشريعة وحامية السنة وترمي غيرها بالابتداع واتباع الهوى ، والواقع أنها هي نفسها كانت مبتدعة على أقل تقدير في رميها لغيرها بالابتداع .

 ورغم تقدم العصر ، واتساع أفق الفكر ، وقيام جامعات وكليات بدل المعاهد، وامتزاج العلم اليوم لتيسير وسائل الاتصال ودخول الآراء الفلسفية الغربية – بل بعض النظريات الهدامة – إلى المؤسسات العلمية الإسلامية إلا أن تلك المؤسسات قديمها وحديثها لا تزال تحتفظ بخاصية الاحتكار المذهبي ، ولا تزال أن تخشى أن تذهب عنها نعرتها المذهبية فهي تحرص أن تقرر مذهبا معينا هو المذهب الذي يكون عليه حكام الدولة ، فإن اتسع أفقها قليلا حمدت إلى ما تسميه الدراسات المقارنة فأوعزت إلى بعض الدكاترة بإجراء مقارنات سطحية تظهر للطلاب – في الغالب – صحة مذهب الدولة وقوة براهينه وضعف غيره ، ومع هذه القيود والملاحظات فإن المذاهب التي يسمح لها أن تدخل رحاب المؤسسات العلمية حتى على سبيل المقارنة هي مذاهب محدودة معدودة محظوظة .

ومن المؤسف أن بعض المؤسسات العلمية في بلاد عربية جنحت إلى العلمانية بالنسبة للديانات بينما تبقى المؤسسات الأخرى محتكرة لمذهبية متعصبة ممقوتة ويضيع المسلمون بين جانبي الإفراط والتفريط .

لقد كان المسلمون في صدر الإسلام وليس فيهم سنيون على الجملة ومبتدعة أو أهل أهواء على الجملة وإنما كانوا على قسمين كبيرين مؤمنون ومنافقون فكل من وفى بما عاهد الله عليه والتزم شريعة الإسلام سلوكا وعقيدة وقولا فهو داخل مع المؤمنين وكل من انحرف عن الإسلام عقيدة وقولا أو عملا فهو داخل في المنافقين ما دام يقر بكلمة الشهادة ولم يرتد عن الإسلام .

 وهكذا ينبغي للمسلمين اليوم يجب أن تختفي المفاهيم السابقة التي تدخل مذاهب كاملة في الجنة وتحرم منها أتباع مذاهب أُخرى ... ينبغي أن يطلق أهل السنة على جميع المسلمين بمختلف مذاهبهم ما داموا يعترفون بأن السنة هي المصدر الثاني للتشريع ولا تطلق كلمة المبتدع وصاحب الهوى إلا على الفاسق الذي غلبه هواه من أي مذهب كان .

 وعلى المؤسسات العلمية اليوم أن تحمل هذا المبدأ لتعود بالمسلمين إلى منهج الإسلام لا كرامة إلا لتقي ولا عدوان إلا على شقي ولا متبوع إلا المعصوم ولا قدمة إلا بالعمل الصالح . والأفضل من ذلك أن تلغي هذه التسميات كلها لا سنية ولا مبتدعة ولا شيعة ولا خوارج ولا مالكية ولا إباضية وإنما هم مسلمون يتفاضلون بالتقوى والعمل الصالح وكم يكون رائعا حين يقف المدرس والواعظ والمحاضر فلا يحتج إلا بقول الله أو قول رسوله فإذا احتاج إلى كلام الناس استشهد بكلام عالم من العلماء مقتصرا على ذكر اسمه وامتنع كل الامتناع أن يجري على لسانه اسم المذهب أو الفرقة أو الطائفة فانمحت من المجتمعات الإسلامية الألقاب المطلقة على مجموعات الفرق كالشيعة والسنة والخوارج والمعتزلة واختفت منه أسماء الفرق فلم يبق ذكر للحنفية أو المالكية أو الإباضية أو الزيدية أو الظاهرية أو غيرها وإنما كل ما يبقى أسماء علماء ضمن كشف طويل يشتمل على من خدم الشريعة الإسلامية منذ البعثة إلى قيام الساعة . أما الأمة الإسلامية فهي تتكون من جميع من نطق بكلمة الشهادة وإليها يتجه النداء القرآني الكريم ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ( وتكون مجتمعا واحدا لا انشقاق فيه فإذا شذ فرد فارتكب معصية لاحقه المجتمع بالموعظة أو بالحكم الذي أنزله الله حتى يتوب فيعود إلى مكانه أو يهلك على إصراره فيتولى الله تبارك وتعالى حسابه

المصدر:  كتاب الاباضية بين الفرق الاسلامية - للشيخ علي يحي معمر 

 
 

 

 

الصفحة الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تقتضي ذكر المصدر عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع