مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة

فصول كتاب آلهة من الحلوى -7

 

للشـيخ علي يحي معـمـر

طفل الدولة

 
لست أدري لماذا تثور في ذهني – كلما فكرت في موضوع الطفل في الدول – تلك الصورة التي قرأت عنها
  في بعض كتب التاريخ أو كتب الأدب من أن بعض الأعراب في الجاهلية يتخذون أصناماً من الحلوى يعبدونها زماناً فإذا جاعوا أكلوها ثم يتخذون غيرها ويكون مصيرها نفس المصير .

هذه الصورة تلحّ على ذهني كثيراً وأنا أفكر في الطفل ، بل في الفرد البشري عند الدول النامية كما تسميها الأوضاع السياسية اليوم ، ولعل وجه الشبه في هذا أننا نبذل من الاهتمام والرعاية وتقديم الخدمة – على كل من نطاق الاسرة والدولة – للطفل قبل أن يحصل على مادته ، ثم عندما تتشكل عندنا مادته ويتم بناؤه تعود عليه فتلتهمه تماماً كما يفكر ذلك الأعرابي الجاهلي فيجمع مادة الحلوى ويقوم بتشكيلها وتقديم الخدمات لها ، فإذا تم له ذلك واستوت أمام عينيه ثم أحس بالجوع وثب عليها فالتهمها ، ثم بدأ يفكر في إله جديد .

نحن ننتظر الطفل وهو في الغيب ، ونرعاه وهو في بطن أمه ونحتفل لاستقباله عند مقدمه ونقدم له الخدمة والرعاية لفترة من الزمن ، فإذا دخل المدرسة شكلنا له هيكله وأعضاءه حسب رغبتنا ، كما يشكل الجاهلي هيكل إلهه من الحلوى ، وبعد أن يتم تشكيل ذلك الطفل على النمط الذي خططناه نثب عليه في يوم من الأيام لنزيله من الوجود ، الوجود الحسي والوجود المعنوي .

ربما ظنّ أريد القارئ أنني أرمز بهذا إلى معنى بعيد لم يفهمه ، وأريد أن يتأكد القارئ أنني لم أقصد إلى شيء غير الظاهر الذي تؤديه عباراتي بما فيها من قصور .

إن الذي أريد أن أقوله أن الدول في هذا العصر أصبحت تحاول جاهدة بما أوتيت من خبرة ومعرفة أن تصوغ أطفال شعوبها كلهم في قوالب متشابهة تسير بحركة واحدة رتيبة كأنما هي في طابور عسكري تنسق إيقاع خطواتها كلمتا .. يمين .. شمال ..

إن الدولة المعاصرة قد سيطرت – بمختلف الوسائل – على شخصية الفرد ، فهي تريد أن ينساق معها في الاتجاه الذي ترسمه غير عابئة بشخصيته .

ورغم التغني المستمر بالحرية الفردية فإنه لا وجود لها لا في الدول المتقدمة ولا في الدول النامية .

والواقع الذي تعيش عليه البشرية اليوم أنَّ الفرد إنما هو عبارة – مهما كان مستواه الفكري – عن طفل نقدم له الخدمات ولكنه يسير على المنهج الدراسي ولا يخرج عنه ، وإذا خطر له أن يخرج عن المنهج الدراسي المرسوم أعيدت معه قصة الإله من الحلوى .

وخلاصة هذه الفصول أن الدول تبذل من الرعاية والعناية شيئاً كثيراً للأطفال في فترتي الحمل والرضاع ثم تستلمهم من أسرهم في نحو الرابعة والخامسة من أعمارهم حيث تكون قد أعدت لهم قوالب للصياغة تبدأ من رياض الأطفال وقد تنتهي بآخر المراحل الجامعية وقد لا تنتهي صياغة بعضهم فلا يتشكلون بالشكل المطلوب ، وحينئذ تعاد قصة الإله من الحلوى معهم .

والحقيقة أن الدول إنما تعامل في هذا العصر أفراد شعوبها معاملتها ، فهي شبيهة بتلك الأم التي لا تستطيع أن تتصور أن ولدها قد كبر وأصبح رجلا يستغني عن رعايتها فهو إما أن يأتمر بأمرها ويخضع لرغبتها ويسير حسب توجيهها وإلا فستبدأ المشاكل وتثور الزوابع .

 


فصول الكتاب

0 مقدمة 11 الاستعمار بين الرجل والمرأة
1 قوالب البشر 12 التفوق بين الرجل والمرأة
2 الطفل 13 الخداع بين الرجل والمرأة
3 الطفل في الغيب 14 الحاكم
4 الطفل في الطريق 15 مخروط الحكم
5 الطفل في الاسرة 16 أين الرجل
6 الطفل في المدرسة 17 مظاهر العبادة في الأقانيم الثلاثة
7 طفل الدولة 18 الانسياق الجماعي
8 المرأة 19 فصول لم تكتب
9 المعركة المفتعلة 20 كلمة الختام
10 الحرية المهدورة    
 
 

 

 

الصفحة الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تتطلب ذكر المصدر كاملا  عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع