مقـالات

بحـوث ودراسات

عـلماء كـتب ومخطوطات 

عقـيدة و فـقـه

تاريخ وحـضارة

الصفحة الرئيسة

فصول كتاب آلهة من الحلوى - 1

 

للشـيخ علي  يحي معـمـر


قـوالب للبشــر


إن تحكمُّ الآلة في هذا العصر أصبحت تسيطر على الإنسان إلى درجة أنها تريد أن تخضع الإنسان نفسه للصناعة كما خضعت بقية المواد .

وكما جعلت دور الصناعة الآلية قوالب محدودة للإنتاج الآلي حتى يخرج كل نوع منها متشابهاً تصلح كل قطعة منه أن تحل مكان القطعة الأخرى ، سرى هذا الاسلوب من التصنيع إلى البشر أنفسهم ، لا سيما في الأقانيم الثلاثة التي أشرنا إليها سابقاً.

فالتربية الحديثة تصوغ مجموعة من القوالب يمرر منها الطفل في مراحلة التربوية المختلفة ليخرج على نمط معين .

وقوالب التربية محدودة صممها خبراء الصناعة التربوية في دول متقدمة كما يقولون .

أما الشعوب النامية وقد بهرتها صناعة الحضارة أو حضارة الصناعة ، فهي تلهث وراء القوالب تستورد منها لتصوغ فيها أفراد شعوبها .

وقد تتجه إلى جهة معينة لها قوالبها ، فتأتي بها إلى بلادها وتضع فيها جيلاً من أطفالها المساكين ، ولكن ما أن يمر عليهم فترة قصيرة في تلك القوالب ، وقبل أن يتم تشكيلهم يخطر لها أن تلك القوالب لا تؤدي الغرض المطلوب ، وتستورد قوالب أخرى من جهة أخرى وتخرج أطفال ذلك الجيل من قوالبهم السابقة وتعيد إدخالهم في القوالب الجديدة التي قد تختلف عن الأولى اختلافاً بيناً ، فتحاول تثبيتهم فيها مع نوع من الضغط والإكراه قد يتحطم فيه عدد من الأطفال والقوالب ، وتستمر العملية في استيراد القوالب وتغييرها بعض الأحيان مرتين في سنة ، وبعض الأحيان عندما يكاد يتم التشكيل .

ولا شك أن تغيّر القوالب القسري يترك تشويهات عديدة ولذلك فإن الطفل بعد أن تنفرج عنه تلك القوالب المتباينة يخرج هو الآخر غير متناسق ، لا مع نفسه مع الناس ولا مع قالب من تلك القوالب .

ونفس الاسلوب يجري مع الأقنوم الثاني الذي هو المرأة .

فقد وضعت للمرأة قوالب معيَّنة في بلاد صناعية قبل عنها متقدمة ، والشعوب النامية تستورد تلك القوالب لتحرر منها المرأة في بلادها .

لقد صنعت الدول المتقدمة قوالب للمرأة عندها ، وهي قوالب محدودة في أشكالها ، ولكنها مع ذلك ينبغي للمرأة عندهم أن تمرّ منها ، أما المرأة في الشرق فقد كانت تنشأ حرة كما تتهيأ لها الحياة في بيئة صَّينة كريمة ، فحرصت الشعوب النامية أن تستفيد من التقدم الصناعي البشري ، فحرصت على استيراد تلك القوالب لتصوغ منها المرأة الشرقية فتستطيع أداء دورها المحدد كما تؤدي قطع الغيار في الآلة دورها المحدد ما دامت خارجة من قالب واحد ، ولعلّ صناعة القوالب للمرأة تتقدم أكثر فتضع لها أرقاماً ، وحينئذ يسهل الطلب والتعامل ، وما على من أراد أن يستبدل امرأة مستهلكة في متجر أو مؤسسة أو شركة إلا أن يقدم الطلب ويذكر الرقم أما إلى جهة التصنيع البشري أو على صفحات الجرائد السيارة .

أما الحاكم فرغم أن النظم السياسية تختلف ، فإن القوالب التي جعلت لتخريج الحكام لاسيما في الدول النامية قوالب قليلة، وأنماطها متشابهة إلى حد بعيد ، فهي ولا شك تقوم مقام قطع الغيار بطريقة أدقّ ، وبعض الدول تعاقب عليها في مدى قصير عدد من الحكام ، واحد تلو الآخر ، وكانت المهمة التي يقوم بها كل واحد منهم هي نفس المهمة التي تقوم بها قطعة الغيار المتقنة عندما توضع في مكانها المناسب بعد أن ينزع الأولى لأنها استهلكت أو لأنها تحطمت ، وكل ما بين ذلك وهذا من فرق ، أن الحكام تختلف أسماؤهم ، أما قطع الغيار الآلية فلا تختلف ، وغالباً ما تكون أسماؤها واحدة ما دامت الدار التي تنتجها واحدة.

وإذا مضت البشرية في سيرها على هذا النمط ، فسوف يكون للطفل والمرأة والحاكم ( موديلات ) كموديلات السيارات والأزياء ، ولا تحتاج إلا إلى تحديد الطلبات فيستجاب لها بدقة ، وسوف يقال في توزيع مواليد سنة معينة في دولة معينة أننا نحتاج إلى عدد كذا من موديل كذا وعدد كذا من موديل كذا ، فتعدَّ القوالب لذلك ويحشد فيها الأطفال حتى يتم تصنيعهم ثم يخرجون بعد ذلك حسب المواصفات ، ونفس العملية تجري مع المرأة والحاكم ، بل إن بعض الدول تحاول أن تدخل أفراد الشعب كله في تلك القوالب ، حتى أولئك الذين جفت عظامهم وتصلبت أعصابهم ، ولم يكن يهمها أن يتحطم نصف العدد أثناء إجراء عملية التقليب الصناعية .

 

فصول الكتاب

0 مقدمة 11 الاستعمار بين الرجل والمرأة
1 قوالب البشر 12 التفوق بين الرجل والمرأة
2 الطفل 13 الخداع بين الرجل والمرأة
3 الطفل في الغيب 14 الحاكم
4 الطفل في الطريق 15 مخروط الحكم
5 الطفل في الاسرة 16 أين الرجل
6 الطفل في المدرسة 17 مظاهر العبادة في الأقانيم الثلاثة
7 طفل الدولة 18 الانسياق الجماعي
8 المرأة 19 فصول لم تكتب
9 المعركة المفتعلة 20 كلمة الختام
10 الحرية المهدورة    
 
 

 

 

الصفحة الرئيسة

جميع الحقوق محفوظة لموقع الاستقامة ولأصحاب المقالات - الأمانة العلمية تتطلب ذكر المصدر كاملا  عند نقل أي  معلومات من هذا الموقع